شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الشغار

          ░28▒ بَابُ الشِّغَارِ
          فيهِ ابنُ عُمَرَ: (نَهَى النَّبِيُّ صلعم عَنِ الشِّغَارِ)
          وَالشِّغَارُ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الآخَرُ ابْنَتَهُ، لَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ. [خ¦5112]
          وتفسير(1) الشِّغَار في اللُّغة، قال أبو زَيْدٍ: شغر الكلب يشغرُ شغرًا، رفع رجله، بال أو لم يبل.
          قال(2) صاحب «العين»: شغر الكلب: رفع إحدى رجليه ليبول، قال(3) أبو زَيْدٍ: شغرت بالمرأة شغورًا، رفعت رجلها(4) عند الجماع، ومعناه في الشَّريعة أن يزوِّج الرَّجل(5) ابنتَه على أن يزوِّجه الآخر ابنته لا(6) صداق بينهما، وإنَّما هو البضع بالبضع.
          قال(7) ابن قُتَيْبَةَ: وكلُّ واحدٍ منهما يشغرُ إذا نكحَ، وأصلُ الشِّغَارِ(8) للكلبِ: إذا رفعَ إحدى رجليه ليبول، فكُنِّي بهذا عنِ النِّكاح إذا كان على هذا الوجه وجعلَ له علمًا.
          واختلفَ(9) العلماء فيه إذا وقع، فقال مالكٌ والشَّافعيُّ: لا يصحُّ نكاحُ الشِّغَار دخلَ بها أو لم يدخل ويفسخُ(10) أبدًا، وهو قول أبي عُبَيْدٍ.
          وقالت طائفةٌ: النِّكاح جائزٌ، ولكلِّ واحدةٍ منهما صَدَاق مثلها، هذا قول عَطَاءٍ ومَكْحُولٍ، والزَّهْرِيِّ، وإليه ذهب اللَّيثُ، والثَّوْرِيُّ والكوفيُّون وأحمدُ وإِسْحَاقُ وأبو ثَوْرٍ.
          قال ابنُ المُنْذِرِ: وفيها قولٌ ثالثٌ، وهو إن لم يدخل بالمرأتين فُسِخَ النِّكاح، وإنْ دخَلَ بهما فلهما مهرُ مثلهما، وهو(11) قول الأوزاعيِّ.
          وحجَّة الَّذين قالوا: العقد في الشِّغار صحيحٌ والمهرُ فاسدٌ ويصحُّ بمهر المثل، إجماع العلماء على أنَّ الخمرَ والخِنزيرَ لا يكونُ منهما مهرٌ لمسلمٍ(12)، وكذلك الغرر والمجهول، وسائر ما نُهِيَ عن ملكه أو تُمُلِّكَ(13) على غير وجهه وسنَّته.
          وأجمعوا مع ذلك أنَّ النِّكاح على المهرِ الفاسدِ إذا فاتَ بالدُّخول، فلا يُفسَخُ لفسادِ(14) صداقِهِ، ويكونُ فيه مهرُ المثل ولو لم يكن نكاحًا منعقدًا حلالًا ما(15) صار نكاحًا بالدُّخول، والأصل في ذلك أنَّ التَّزويج مُضَمَّنٌ(16) بنفسه لا بالعوض فيه بدليل تجويز الله تعالى(17) النِّكاح(18) بغير صَدَاق بقوله(19) تعالى: {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً}[البقرة:236]، فلمَّا أوقعَ الطَّلاق دلَّ على صِحَّةِ النِّكاح دون تسمية صَدَاقٍ؛ لأنَّ الطَّلاقَ غير واقعٍ إلَّا على الزَّوجات، وكونهنَّ زوجاتٌ دليلٌ على صحَّة النِّكاح بغير تسميةٍ.
          وحجَّة الَّذين أبطلوا النِّكاح ظاهر نَهي الَّنِبيِّ صلعم عن نكاح الشِّغَار، والنَّهي يقتضي تحريم المنهيِّ عنه وفساده.
          قال ابنُ المُنْذِرِ: ودلَّ نَهي النَّبِيِّ صلعم عَنِ الشِّغَار على إغفال مَنْ زعمَ أنَّه يجعل ما أباحه اللهُ ╡ في كتابه مِنْ عقدِ النِّكاحِ على غيرِ صداقٍ معلومٍ قياسًا على ما نهى النَّبِيُّ صلعم(20) مِنَ الشِّغَار ولا يشبه ما نَهَى الله عنه لما(21) أباحه وهذه غفلةٌ.
          وأجمعوا إذا قال(22): أُزَوِّجك أختي على أنْ تُزَوِّجني أختك على أنْ يُسَمِّيا لكلِّ واحدةٍ منهما مهرًا، أو يُسَمِّيا(23) لإحداهما، فقالت طائفةٌ: ليس هذا بالشِّغار المنهيِّ عنه والنِّكاح ثابتٌ والمهر فاسدٌ، ولكلِّ واحدةٍ منهما مهر مثلها(24) إنْ دخلَ بها أو ماتت إنْ(25) ماتَ عنها، أو نصفه(26) إنْ طلَّقها قبل الدُّخول(27) بها، هذا قول الشَّافعيِّ وابنِ القَاسِمِ، وكرهه مالكٌ ورآه مِنْ بابِ الشِّغَار، وأجازه الكوفيُّون، ولها ما يُسَمِّي(28) لها، وقال أحمدُ بنُ حنبلٍ: إذا كان في الشِّغار صَدَاقٌ فليس بشغارٍ.


[1] في (ز): ((تفسير)).
[2] في (ز): ((وقال)).
[3] في (ز): ((وقال)).
[4] في (ص): ((رجليها)).
[5] قوله: ((الرَّجل)) ليس في (ز).
[6] في (ز): ((ولا)).
[7] في (ز): ((وقال)).
[8] في (ز): ((الشَّغر)).
[9] في (ز): ((اختلف)).
[10] في (ز): ((يفسخ)).
[11] في (ز): ((هذا)).
[12] في (ز): ((المسلم)).
[13] في (ز): ((ملك)).
[14] في (ز): ((بفساد)).
[15] قوله: ((ما)) ليس في (ص).
[16] في (ز): ((يضمَّن)).
[17] زاد في (ز): ((ذكره)).
[18] في (ز): ((للنِّكاح)).
[19] في (ز): ((لقوله)).
[20] زاد في (ز): ((عنه)).
[21] في (ز): ((بما)).
[22] في المطبوع: ((واختلفوا إذا قال))، وفي (ز): ((واختلفوا في)).
[23] في المطبوع: ((يسمِّياه))، وفي (ص): ((سُمِّيا)).
[24] زاد في المطبوع: ((ما))، وقوله: ((ماتت إنْ)) ليس في (ص).
[25] في المطبوع: ((أو)).
[26] في (ز): ((ونصفه)).
[27] في (ز): ((أن يدخل)).
[28] في (ز): ((سمَّى)).