شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب تزويج اليتيمة

          ░43▒ بابُ تَزْوِيجِ اليَتِيمَةِ
          لِقَوْلِهِ تعالى: {وَإِنْ(1) خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي اليَتَامَى فَانْكِحُوا}[النِّساء:3]
          فيه عَائِشَةُ: {وَإِنْ(2) خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي اليَتَامَى} إلى قوله(3): {مَا(4) مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}[النِّساء:36]، قَالَتْ: هي(5) اليَتِيمَةُ التي تَكُونُ في حَجْرِ وَلِيِّهَا، فَيَرْغَبُ فِي جَمَالِهَا وَمَالِهَا، وَيُرِيدُ أَنْ يَنْتَقِصَ(6) مِنْ(7) صَدَاقِهَا، فَنُهُوا عَنْ نِكَاحِهِنَّ إِلَّا أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ في إِكْمَالِ الصَّدَاقِ فَأُمِرُوا بِنِكَاحِ مَنْ سِوَاهُنَّ مِنَ النِّسَاءِ(8). [خ¦5140]
          معنى هذا الباب أنَّ الوليَّ شَرطٌ في النِّكاحِ لمخاطبة الله الأولياء بإنكاح اليتامى إذ جائزٌ(9) ألَّا يقسطوا فيهنَّ، وقد تقدَّم هذا الحديث(10) في باب مَنْ قالَ: لا نكاح إلَّا بوليٍّ [خ¦5127] [خ¦5130]، واحتجَّ أبو حنيفةَ ومُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بهذه الآية في أنَّه يجوز للوليِّ أنْ يجوِّزَ(11) مِنْ نفسهِ اليتيمةَ الَّتي لم تَبْلُغْ؛ لأنَّ اللهَ تعالى لَمَّا عاتبَ الأولياءَ أنْ يتزوِّجوهنَّ إذا كنَّ مِنْ أهلِ المالِ والجمال إلَّا على سُنَّتهنَّ مِنَ الصَّداقِ، وعاتبهم على تركِ نكاحهنَّ إذا كنَّ قليلات المال والجمال استحال أنْ يكونَ ذلك منه ╡ فيما(12) لا يجوزُ نكاحه؛ لأنَّه لا يجوزُ أنْ(13) يعاتبَ أحدٌ على ترك ما هو حرامٌ عليه، ألا ترى أنَّه أمرَ وليَّها أنْ يُقسِطَ لها في صَدَاقِها، ولو أراد بذلك(14) بالغًا لما كان لذكره أصل(15) سنَّتها في الصَّدَاق معنًى، إذ كان له أنْ يراضيها على ما تشاءُ ثُمَّ يتزوَّجها على ذلك، فيكون ذلك له حلالًا كما قال اللهُ تعالى(16): {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا}[النِّساء:4].
          فثبتَ أنَّ الَّذي أمرَ(17) أنْ يبلغ بها أعلى(18) سنَّتها في الصَّدَاق هي(19) الَّتي لا أمرَ لها في صدَاقها المولى عليها، وهي غير بالغٍ(20)، ولا يجوزُ عند مالكٍ والشَّافعيِّ وجماعةٍ أنْ يتزوَّجَ اليتيمة الَّتي لا أبَ لها قبل البلوغ، ويفسخ النِّكاح عند مالكٍ قبل الدُّخول وبعده، وقد تقدَّم الاختلاف(21) في هذه المسألة في باب تزويج الصِّغار [خ¦5081].
          وكان مِنْ حجَّة مَنْ خالفَ أبا حنيفةَ في ذلك أنَّه قد يكون في اليتامى مَنْ تَجَوَّزَ حدَّ البلوغ وبعده وهي سفيهةٌ، لا يجوز بيعها(22) ولا شيءٌ مِنْ أفعالها، فأمر تعالى أولياءَهنَّ بالإقساطِ لهنَّ في الصَّدَقات(23)، فلم تدلَّ الآية على جوازِ نكاح اليتيمةِ غير البالغِ كما زعم أبو حنيفةَ، وليس هذ أولى بالتَّأويل مِمَّنْ عارضه(24)، وتأويل الآية في اليتيمة البالغ السَّفيهة.


[1] في (ص): ((فإنْ)).
[2] في (ص): ((فإنْ)).
[3] قوله: ((قوله)) ليس في (ز).
[4] في (ص): ((أو ما)).
[5] في (ز): ((هذه)).
[6] في (ص): ((ينقص)).
[7] قوله: ((مِنْ)) ليس في (ز).
[8] قوله: ((فَأُمِرُوا بِنِكَاحِ مَنْ سِوَاهُنَّ مِنَ النِّسَاءِ)) ليس في (ز)، وبدله قوله: ((الحديث))
[9] في (ز): ((إذا خافوا)).
[10] في (ز): ((الباب)).
[11] في (ز): ((يزوِّج)).
[12] في (ز): ((فيمن)).
[13] في (ز): ((لأنَّ)).
[14] قوله: ((بذلك)) ليس في (ز).
[15] في (ز): ((على)).
[16] في (ص): ((على ذلك، حلال قال الله تعالى)).
[17] في المطبوع: ((فثبت أنَّ الَّتي أمر))، وفي (ز): ((أنَّ النَّبِيَّ أمرَ)).
[18] في (ص): ((على)).
[19] في (ز): ((وهي)).
[20] في (ز): ((البالغ)).
[21] في (ز): ((الخلاف)).
[22] زاد في (ز): ((ولا شراؤها)).
[23] في (ز): ((صدقاتهنَّ)).
[24] في (ز): ((وليس هو بالتَّأويل أولى مَنْ عارضه)).