شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الخطبة

          ░47▒ بَابُ الخُطْبَةِ
          فيه ابْنُ عُمَرَ: (جَاءَ رَجُلانِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَخَطَبَا، فَقَالَ النَّبيُّ صلعم: إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا). [خ¦5146]
          قال المؤلِّف: الخطبةُ عند الحاجةِ من الأمر القديم المعمول به، وروي عن ابن(1) مسعودٍ أنَّه قال: علَّمنا رسول الله صلعم خطبة الحاجة: ((الحمد لله نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، من يهد الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمَّدًا عبده ورسوله، ثمَّ يقرأ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا(2)}[النساء:1]، {اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا(3)}[الأحزاب:70-71]، {اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}[آل عِمْرَان:102])).
          وقال(4) المُهَلَّب: إنَّما استحبَّ(5) في خطبة النِّساء خطبة من الكلام ليسهل به(6) الخاطبُ أمره ويرغب فيما دعا(7) إليه، ألا ترى أنَّ النَّبيَّ صلعم(8) شبَّه حسن التَّوصُّل(9) إلى الحاجة بحسن الكلام فيها، واستنزال المرغوب إليه بالبيان بالسِّحر، وإنَّما هذا من أجل ما في النُّفوس من الأنفة في أمر الوليَّات، وقال(10) النبيُّ صلعم إنَّ حسن التَّوصُّل إلى هذا الذي تألف النُّفوس(11) منه حتَّى تحبَّب(12) ذلك المستبشع وجهٌ من وجوه السِّحر الحلال.
          واستحبَّ جمهور العلماء الخطبة في النِّكاح، فقال / مالكٌ(13): وهي من الأمر القديم وما قلَّ منها فهو أفضل. قال ابن حبيبٍ: كانوا يستحِبُّون أن يحمد اللهَ الخاطب ويصلِّي على نبيِّه ثمَّ يخطب المرأة، ثمَّ(14) يجيبه المخطوب إليه بمثل ذلك من حمد الله والصَّلاة على نبيِّه، ثمَّ يذكر إجابته، وأوجبها أهل الظَّاهر فرضًا، واحتجُّوا بأنَ النَّبيَّ صلعم خطب حين زوَّج(15) فاطمة، وأفعاله على الوجوب.
          واستدلَّ الفقهاء على أنَّها غير واجبةٍ بقوله ◙: ((قد زوَّجتكها بما معك من القرآن))، ولم يخطب، وبقوله: ((كلُّ أمرٍ ذي بالٍ لا يبدأ فيه بالحمد لله(16) فهو أقطع))، أي ناقصٌ، ولم يقل: إنَّ العقد لا يتمُّ إلَّا به(17) لأنَّه زوَّج المرأة ولم يخطب.


[1] في (ص): ((وروى ابن)).
[2] قوله: ((وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ... كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)) ليس في(ص)، و فيها: ((الآية)).
[3] في (ص): (({اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا...} إلى {عظيمًا})).
[4] في (ص): ((قال)).
[5] في (ص): ((استحبت)).
[6] في (ص): ((بها)).
[7] في (ص): ((في الدعاء)).
[8] زاد في (ص): ((قد)).
[9] في (ص): ((التواصل)) وكذا الموضعين بعده.
[10] في (ص): ((فقال)).
[11] في (ص): ((النفس)).
[12] زاد في (ص): ((إلى)).
[13] قوله: ((مالك)) ليس في (ص) وفيها بعدها: ((وهو الأمر)).
[14] قوله: ((ثم)) زيادة من (ص).
[15] في (ص): ((خطَّب)).
[16] في (ص): ((بحمد الله)).
[17] قوله: ((إلا به)) ليس في (ص).