شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب ما ينهى من دخول المتشبهين بالنساء على المرأة

          ░113▒ بَاب مَا يُنْهى عَنْهُ مِنْ دُخُولِ الْمُتَشَبِّهِينَ بِالنِّسَاءِ على الْمَرْأَةِ.
          فيه أُمُّ سَلَمَةَ: أَنَّ النَّبيَّ صلعم كَانَ عِنْدَهَا وفي الْبَيْتِ مُخَنَّثٌ، فَقَالَ الْمُخَنَّثُ لأخِي أُمِّ سَلَمَةَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أبي أُمَيَّةَ بْنِ المُغِيرَةَ(1): إِنْ فَتَحَ اللهُ لَكُمُ الطَّائِفَ غَدًا، أَدُلُّكَ على بنتِ غَيْلانَ، فَإِنَّهَا تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ، فَقَالَ النَّبيُّ صلعم: (لَا يَدْخُلَنَّ هَذَا عَلَيْكُنَّ(2)). [خ¦5235]
          قال المُهَلَّب: أصل هذا الحديث قوله ◙: ((لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها(3) كأنَّه يراها))، فلمَّا سمع النبيُّ ◙ وصف هذا(4) المخنَّث للمرأة بهذه الصفة التي تقيم(5) نفوس الناس، منع أن يدخل عليهنَّ؛ لئلَّا يصفهنَّ للرجال فيسقط معنى الحجاب.
          قال غيره: وفيه من الفقه أنَّه لا ينبغي أن يدخل على النساء من المؤنَّثين من يفطن لمحاسنهنَّ ويحسن وصفهنَّ، وأنَّ من علم محاسنهنَّ لا يدخل في / معنى قوله تعالى: {غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ}[النور:31]، وإنَّما غير أولي الإربة الأبله العِنِّين الذي لا يفطن لمحاسنهنَّ، ولا إرب له فيهنَّ، وهذا الحديث أصلٌ في نفي كلِّ من يُتَأذَّى به وإبعاده بحيث يؤمن أذاه.
          قال المُهَلَّب(6): قال ابن حبيبٍ: والمخنَّث هو المؤنَّث من الرجال وإن لم تعرف فيه الفاحشة، وهو مأخوذٌ من تكسُّر الشيء، ومنه حديثه الآخر: ((أنَّه نهي ◙ عن اختناث الأسقية))، وهو أن تُكسَر أفواه الأسقية ويُشرَب(7) منها.
          وكان يدخل على أزواج النبيِّ صلعم؛ لأنَّه كان عندهنَّ(8) من غير ذوي الإربة.
          وحدَّثني ابن(9) حبيبٍ، عن مالكٍ في قوله: (تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ)، أنَّه أراد أعكانها؛ لأنَّ العكن هي أربع طوابق في بطنها بعضها فوق بعضٍ، فإذا بلغت خصريها صارت أحواقها(10) ثمانيًا أربعًا من هاهنا، وأربعًا من هاهنا، وقوله: (تُدْبِرُ بِثَمَانٍ)، ولم يقل: بثمانية، وإن كان يقع ذلك على الأطراف، والطرف مذكَّرٌ(11)، فإنَّما أراد العُكَن التي هي مؤنَّثة، وواحدتها(12): عُكْنة؛ لأنَّ كلَّ جزءٍ من العُكَن يلزمه من التأنيث ما يلزم جمعه، وهذا من التأنيث المحمول على المعنى.
          وقال ابن الكلبيِّ: هذا المؤنَّث يسمَّى: هِيتٌ، وهو مولًى لعبد الله بن أبي أميَّة أخي أمِّ سلمة لأمِّها، وكان طَوسٌ مولى عبد الله بن أبي أميَّة(13) ومن قِبَله سرى إلى طَوسٍ الخنث.
          قال المُهَلَّب: في(14) وصف المخنَّث لمحاسن المرأة حجَّةٌ لمن أجاز بيع الأعيان الغائبة على الصفة كما قاله مالكٌ خلافًا للشافعيِّ، ولو لم تكن الصفة في هذا الحديث بمعنى الرؤية لم ينهَ النبيُّ صلعم المؤنَّث عن الدخول على النساء، والله أعلم، وقد تقدَّمت هذه المسألة في كتاب البيوع. [خ¦2144]


[1] قوله: ((بن المغيرة)) ليس في (ص).
[2] في (ص): ((عليكم)).
[3] زاد في (ص): ((حتى)).
[4] قوله: ((هذا)) ليس في (ص).
[5] كذا في (ز) والتوضيح: ((تقيم)) وصورتها في (ص): ((تضيم)) وفي المطبوع: ((تهيم)).
[6] قوله: ((قال المهلب)) ليس في (ص).
[7] في (ص): ((ليشرب)).
[8] في (ص): ((عندهم)).
[9] قوله: ((ابن)) زيادة من (ص).
[10] في (ص): ((خصريها فقارب)).
[11] في (ص): ((والأطراف مذكرة)).
[12] في (ص): ((واحدها)).
[13] قوله: ((أمية أخي أم سلمة لأمها، وكان طوس مولى عبد الله بن أبي أمية)) ليس في (ص).
[14] في (ص): ((وفي)).