شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: حسن المعاشرة مع الأهل

          ░82▒ بَاب حُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ مَعَ الأهْلِ.
          فيه: عَائِشَةُ قَالَتْ: جَلَسَتْ(1) إِحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةً فَتَعَاهَدْنَ وَتَعَاقَدْنَ(2) أَنْ لا يَكْتُمْنَ مِنْ أَخْبَارِ أَزْوَاجِهِنَّ شَيْئًا، فقَالَتِ(3) الأولَى: زَوْجِي لَحْمُ جَمَلٍ غَثٍّ على رَأْسِ جَبَلٍ، لا سَهْلٍ فَيُرْتَقَى، وَلا سَمِينٍ فَيُنْتَقَلُ.
          قَالَتِ الثَّانِيَةُ: زَوْجِي لا أَبُثُّ خَبَرَهُ، إِنِّي أَخَافُ أَنْ لَا أَذَرَهُ، إِنْ أَذْكُرْهُ أَذْكُرْ عُجَرَهُ وَبُجَرَهُ.
          قَالَتِ الثَّالِثَةُ: زَوْجِي الْعَشَنَّقُ، إِنْ أَنْطِقْ أُطَلَّقْ، وَإِنْ أَسْكُتْ أُعَلَّقْ.
          قَالَتِ الرَّابِعَةُ: زَوْجِي كَلَيْلِ تِهَامَةَ، لا حَرٌّ، وَلا قُرٌّ، وَلا مَخَافَةَ، وَلا سَآمَةَ.
          قَالَتِ الْخَامِسَةُ: زَوْجِي إِنْ دَخَلَ فَهِدَ، وَإِنْ خَرَجَ أَسِدَ، وَلا يَسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ.
          قَالَتِ السَّادِسَةُ: زَوْجِي إِنْ أَكَلَ لَفَّ، وَإِنْ شَرِبَ اشْتَفَّ، وَإِنِ اضْطَجَعَ الْتَفَّ، وَلا يُولِجُ(4) الْكَفَّ لِيَعْلَمَ الْبَثَّ.
          قَالَتِ السَّابِعَةُ: زَوْجِي غَيَايَاءُ _أَوْ عَيَايَاءُ_ طَبَاقَاءُ، كُلُّ دَاءٍ لَهُ دَاءٌ، شَجَّكِ أَوْ فَلَّكِ، أَوْ جَمَعَ كُلًّا لَكِ.
          قَالَتِ الثَّامِنَةُ: زَوْجِي الْمَسُّ مَسُّ أَرْنَبٍ، وَالرِّيحُ رِيحُ زَرْنَبٍ.
          قَالَتِ التَّاسِعَةُ: زَوْجِي رَفِيعُ الْعِمَادِ، طَوِيلُ النِّجَادِ، / عَظِيمُ الرَّمَادِ، قَرِيبُ الْبَيْتِ مِنَ النَّادِي(5).
          قَالَتِ الْعَاشِرَةُ: زَوْجِي مَالِكٌ، وَمَا مَالِكٌ؟ مَالِكٌ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكِ، لَهُ إِبِلٌ كَثِيرَاتُ الْمَبَارِكِ، قَلِيلاتُ الْمَسَارِحِ، وَإِذَا سَمِعْنَ صَوْتَ الْمِزْهَرِ، أَيْقَنَّ أَنَّهُنَّ هَوَالِكُ.
          قَالَتِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: زَوْجِي أَبُو زَرْعٍ، وَمَا أَبُو زَرْعٍ! أَنَاسَ مِنْ حُلِيٍّ أُذُنَيَّ، وَمَلأَ مِنْ شَحْمٍ عَضُدَيَّ، وَبَجَّحَنِي فَبَجِحَتْ إِلَيَّ نَفْسِي، وَجَدَنِي في أَهْلِ غُنَيْمَةٍ بِشِقٍّ(6)، فَجَعَلَنِي في أَهْلِ صَهِيلٍ وَأَطِيطٍ، وَدَائِسٍ وَمُنَقٍّ، فَعِنْدَهُ أَقُولُ فَلا أُقَبَّحُ، وَأَرْقُدُ فَأَتَصَبَّحُ، وَأَشْرَبُ فَأَتَقَمَّحُ، أُمُّ أبي زَرْعٍ، وَمَا(7) أُمُّ أبي زَرْعٍ! عُكُومُهَا رَدَاحٌ، وَبَيْتُهَا فَسَاحٌ، ابْنُ أبي زَرْعٍ، وَمَا(8) ابْنُ أبي زَرْعٍ! مَضْجَعُهُ كَمَسَلِّ شَطْبَةٍ، وَيُشْبِعُهُ ذِرَاعُ(9) الْجَفْرَةِ، بِنْتُ أبي زَرْعٍ، وَمَا(10) بِنْتُ أبي زَرْعٍ! طَوْعُ أَبِيهَا، وَطَوْعُ أُمِّهَا، وَمِلْءُ كِسَائِهَا، وَغَيْظُ جَارَتِهَا، جَارِيَةُ أبي زَرْعٍ، وَمَا(11) جَارِيَةُ أبي زَرْعٍ! لا تَبُثُّ حَدِيثَنَا تَبْثِيثًا، وَلا تُنَقِّثُ(12) مِيرَتَنَا تَنْقِيثًا، وَلا تَمْلأُ بَيْتَنَا تَعْشِيشًا.
          قَالَتْ: خَرَجَ أَبُو زَرْعٍ وَالأوْطَابُ تُمْخَضُ، فَلَقِيَ امْرَأَةً مَعَهَا وَلَدَانِ لَهَا كَالْفَهْدَيْنِ، يَلْعَبَانِ مِنْ تَحْتِ خَصْرِهَا بِرُمَّانَتَيْنِ، فَطَلَّقَنِي وَنَكَحَهَا، فَنَكَحْتُ بَعْدَهُ رَجُلا سَرِيًّا، رَكِبَ شَرِيًّا، وَأَخَذَ خَطِّيًّا، وَأَرَاحَ عَلَيَّ نَعْمَاءَ(13) ثَرَِيًّا، وَأَعْطَانِي مِنْ كُلِّ رَائِحَةٍ زَوْجًا، وَقَالَ: كُلِي أُمَّ زَرْعٍ، وَمِيرِي أَهْلَكِ، قَالَتْ: فَلَوْ جَمَعْتُ كُلَّ شَيْءٍ أَعْطَانِيهِ، مَا بَلَغَ أَصْغَرَ آنِيَةِ أبي زَرْعٍ، قَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَ لي رَسُولُ اللهِ صلعم: (كُنْتُ لَكِ يَا عَائِشَةُ(14) كَأَبِي زَرْعٍ لأمِّ زَرْعٍ). [خ¦5189]
          وفيه عَائِشَةُ: (كَانَ الْحَبَشُ يَلْعَبُونَ بِحِرَابِهِمْ، فَسَتَرَنِي رَسُولُ اللهِ صلعم وَأَنَا أَنْظُرُ، فَمَا زِلْتُ أَنْظُرُ حَتَّى كُنْتُ أَنَا أَنْصَرِفُ، فَاقْدُرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ، تَسْمَعُ اللهْوَ). [خ¦5190]
          قال المُهَلَّب: فيه جواز نقل الأخبار عن حسن المعاشرة وضرب الأمثال بها، والتأسي بأهل الإحسان من كلِّ أمَّة، ألا ترى أنَّ أمَّ زرعٍ أخبرت عن أبي زرعٍ بجميل(15) عشرته، فتمثَّله النبيُّ صلعم.
          وفيه: جواز تذكير الرجل امرأته بإحسانه إليها؛ لأنَّه لمَّا جاز من النساء كفران العشير، جاز تذكيرهنَّ بالإحسان(16).
          وفيه في(17) قصَّة الحبشة أنَّ تفسير حسن المعاشرة هو الموافقة والمساعدة على الإرادة غير المحرَّمة، والصبر على أخلاق النساء والصبيان في غير المحرَّم من اللهو، وإن كان الصابر كارهًا لما يحبُّه أهله.
          وقال أبو عبيدٍ: سمعت أهل العلم يقولون في تفسير هذا الحديث: قول الأولى: (لَحْمُ جَمَلٍ غَثٍّ) تعني المهزول. وقال أبو سعيدٍ النيسابوريُّ: ليس شيءٌ من الغثاث من الأزواج الثمانية هو أخبث غثاثةً من الجمل؛ لأنَّه يجمع خبث طعمٍ وخبث ريحٍ.
          قال أبو عبيدٍ: (عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ)، تصف قلَّة خيره وبعده مع القلَّة كالشيء في قمَّة الجبل الصَّعب لا ينال إلَّا بالمشقَّة، لقولها: (لَا سَهْلٍ فَيُرتَقَى) تعني الجبل، (وَلَا سَمِينٍ فَيُنْتَقَى)، تعني المخَّ، ومن روى: <فَيُنْتَقَلُ> تريد ليس بسمينٍ فينقله الناس إلى بيوتهم فيأكلونه.
          وقول الثانية: (زَوْجِي لا أَبُثُّ خَبَرَهُ، إني أَخَافُ أَنْ لا أَذَرَهُ، إِنْ أَذْكُرْهُ(18) أَذْكُرْ عُجَرَهُ وَبُجَرَه)، فالعجر أن ينعقد العصب أو العروق حتَّى تراها ناتئةً من الجسد، والبجر نحوها، إلَّا أنَّها في البطن خاصَّةً، واحدتها(19) بجرةٌ، ومنه قيل: رجلٌ أَبْجَر، إذا كان عظيم البطن، وامرأةٌ بجراء، ويقال(20): لفلان بجرةٌ، إذا كان ناتئ السرَّة عظيمها. وقال أبو سعيدٍ النيسابوريُّ: لم يأت أبو عبيدٍ بالمعنى، وإنَّما عنت أنَّ زوجها كثير العيوب في أخلاقه، منعقد النفس عن المكارم.
          قال المؤلِّف(21): وفيه تفسيرٌ آخر. قال ثعلبٌ(22) في العجر والبجر: ومنه قول عليٍّ يوم الجمل: إلى الله أشكو عجري وبجري، أي: همومي وأحزاني.
          وقول الثالثة: (زَوْجِي الْعَشَنَّقُ)، فالعشنَّق(23): الطويل، قاله الأصمعيُّ، تقول: ليس عنده أكثر من طوله بلا نفعٍ، فإن ذكرتُ ما فيه من العيوب طلَّقني، وإن سكتُّ تركني معلَّقةً لا أيمَّ ولا ذات بعلٍ، ومنه قوله تعالى: {فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ}[النساء:129].
          وقال(24) / أبو سعيدٍ: الصحيح غير ما ذكره(25) أبو عبيدٍ، العشنَّق من الرجال: الطويل النجيب الذي ليس أمره إلى امرأته، وأمرها إليه، فهو يحكم فيها بما يشاء(26) وهي تخافه.
          وقول الرابعة: (زَوْجِي كَلَيْلِ تِهَامَةَ، لا حَرٌّ، وَلا قُرٌّ، وَلا مَخَافَةَ، وَلا سَآمَةَ) تقول: ليس عنده أذًى ولا مكروهٌ، وإنَّما هذا مثلٌ(27)؛ لأنَّ الحرَّ والبرد كلاهما فيه أذًى إذا اشتدَّ، (وَلَا مَخَافَةَ(28)) تقول: ليس عنده غائلةٌ ولا شرٌّ أخافه(29)، (وَلَا سَآمَةَ) تقول: لا يسأمني فيملُّ صحبتي.
          وقول الخامسة: (زَوْجِي إِنْ أَكَلَ لَفَّ)، فإنَّ اللف في المطعم الإكثار منه مع التخليط من صنوفه حتى لا يبقى منه شيء، والاشتفاف في المشرب: أن يستقصي ما في الإناء ولا يسؤر فيه سؤرًا، وإنَّما أُخذ من الشفافة وهي البقيَّة تبقى في الإناء من الشراب، وقولها: (وَلَا يُولِجُ الكَفَّ لِيَعلَمَ البَثَّ) فأحسبه كان بجسدها عيبٌ أو داءٌ تكتئب به(30)، والبثُّ هو الحزن، فكان لا يدخل يده في ثوبها ليمسَّ ذلك العيب فيشقَّ عليها، تصفه بالكرم.
          وقول السادسة: (زَوْجِي غَيَايَاءُ _أَوْ عَيَايَاءُ_) فأمَّا (غَيَايَاءُ) بالغين، فليس بشيءٍ، فإنَّما(31) هو بالعين، والعياياء من الإبل الذي لا يضرب ولا يلقح(32)، وكذلك هو في الرجال، والطباقاء: الغبيُّ الأحمق الفدم. قال أبو عليٍّ: وحكى بعضهم في تفسير الطباقاء من الرجال: الثقيل الصدر الذي يطبق صدره على صدر المرأة عند المباضعة. وقال يعقوب: هو الذي لا يتَّجه لشيءٍ. وفسَّره الخليل بأنَّه الغبيُّ الأحمق، وقولها: (كُلُّ دَاءٍ لَهُ دَاءٌ) أي كلُّ شيءٍ من أدواء الناس فهو فيه ومن أدوائه.
          وقول السابعة: (زَوْجِي إذا دَخَلَ فَهِد)، فإنَّها تصفه بكثرة النوم والغفلة في منزله على وجه المدح له، وذلك أنَّ الفهد كثير النوم، يقال: أنوم من فهدٍ، والذي أرادت أنَّه ليس يتفقَّد ما ذهب من ماله، ولا يلتفت إلى معايب البيت وما فيه(33)، كأنَّه ساهٍ عن ذلك، وممَّا يبيِّنه قولها: (وَلَا يَسأَلُ عَمَّا عَهِدَ)، تعني عمَّا كان عندي قبل ذلك.
          وقولها: (إِنْ خَرَجَ أَسِدَ)، تصفه بالشجاعة في الحروب، يقال: أسد الرجل واستأسد بمعنى.
          وقول الثامنة: (زَوْجِي المسُّ مَسُّ أَرْنَب)، فإنَّها تصفه بحسن الخلق، ولين الجانب كمسِّ الأرنب إذا وضعت يدك على ظهرها.
          وقولها: (والرِّيْحُ ريحُ زَرْنَب)، فإنَّ فيه معنيين، قد تكون أن(34) تريد طيب ريح جسده، ويكون(35) أن تريد طيب الثناء في الناس وانتشاره فيهم كريح الزرنب، وهو نوعٌ من أنواع الطيب معروفٌ.
          وقول التاسعة: (زَوْجي رَفِيع العِمادِ)، فإنَّها تصفه بالشرف وسناء الذكر، وأصل العماد عماد البيت وجمعه أعمد(36)، وهي العيدان التي تعمد بها البيوت، وإنَّما هذا مثل تعني أنَّ بيته في حسبه رفيع في قومه.
          وقولها: (طَوِيل النَّجَاد)، فإنَّها تصفه بامتداد القامة، والنجاد حمائل السيف، فهو يحتاج إلى قدر ذلك من طوله، وهذا ممَّا يمتدح به الشعراء.
          وقولها: (عَظِيمُ الرَّمَاد)، فإنَّها تصفه بالجود وكثرة الضيافة من لحم الإبل وغيرها، فإذا فعل ذلك عظمت ناره وكثر وقودها، فيكون الرماد كثيرًا.
          وقولها: (قَرِيبُ البيتِ مِنَ النَّادِي)، تعني أنَّه ينزل بين ظهراني الناس ليعلموا مكانه، فينزل به الأضياف، ولا يستبعد منهم ولا يتوارى فرارًا من نزول الأضياف والنوائب.
          وقول العاشرة: (زَوْجِي مَالِكٌ، وَمَا مَالِكٌ؟ مَالِكٌ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكِ، لَهُ إِبِلٌ، قَلِيلاتُ الْمَسَارِحِ كَثِيرَاتُ الْمَبَارِكِ)، تقول: إنَّه لا يوجِّههنَّ ليسرحن نهارًا إلَّا قليلًا، ولكنَّهنَّ يبركن بفنائه، فإن نزل به ضيفٌ لم تكن الإبل غائبةً عنه، ولكنَّها بحضرته فيقريه من ألبانها ولحومها.
          وقولها: (إِذَا سَمِعْنَ صَوْتَ الْمِزْهَرِ، أَيْقَنَّ أَنَّهُنَّ هَوَالِكُ)، / فالمزهر العود الذي يضرب به، فأرادت المرأة أنَّ زوجها قد عوَّد إبله إذا نزل به الضيف أن ينحر لهم ويسقيهم الشراب ويأتيهم بالمعازف، فإذا سمعت الإبل ذلك الصوت أيقنَّ أنَّهنَّ منحوراتٌ.
          وقال(37) أبو سعيدٍ: إن كنَ لا يسرحن إلَّا قليلًا من النهار ثمَّ تُحبس في المبارك سائر النهار، فهي هالكةٌ هزالًا، وإن كنَّ يسرحن بالليل فقد ضاع أضياف الليل، والتفسير أنَّ مسارحها قليلةٌ لقلَّة الإبل، وكثرت مباركها بالفناء لكثرة ما تثار فتحلب ثمَّ تبرك، فالقليلة إذا فعل بها هذا كثرت مباركها. وقوله: المزهر العود فنحن ننكره؛ لأنَّ العرب كانوا لا يعرفون العود إلَّا من خالط الحضر منهم، والعود إنمَّا أحدث(38) بمكَّة والمدينة، والذي نذهب إليه أنَّه المزهر، وهو الذي يزهر النار للأضياف الطُرَّاق(39)، فإذا سمعت صوت ذلك وحسَّه أيقنتْ بالعقر.
          وقول الحادية عشرة: (زَوْجِي أَبُو زَرْعٍ، وَمَا أَبُو زَرْعٍ! أَنَاسَ مِنْ حُلِيٍّ أُذُنَيَّ)، تريد حلَّاني قرطةً وشنوفًا ينوس بأذنيَّ، والنوس: الحركة من كلِّ شيءٍ متدلٍّ(40)، يقال منه: قد نَاس يَنُوس نَوسًا وأَنَاسَه غيره إناسةً. قال أبو عبيدٍ: وأخبرني ابن الكلبيِّ أنَّ ذا نواس ملك اليمن إنَّما سمِّي بهذا بضفيرتين(41) كانتا تنوسان على عاتقيه.
          وقولها: (مَلَأَ مِنْ شَحْمٍ عَضُدَيَّ) لم ترد العضد خاصَّةً، وإنَّما أرادت الجسد كلَّه، تقول: إنَّه أسمنني بإحسانه إليَّ، فإذا سمن العضد سمن سائر الجسد.
          وقولها: (بَجَّحَنِي فَبَجِحَتْ)، أي فرَّحني ففرحت. وقد بَجَح الرجل يَبجَح، إذا فرح.
          وقولها: (وَجَدَنِي في أَهْلِ غُنَيْمَةٍ بِشِقٍّ)، والمحدِّثون يقولون: (بِشِقٍّ)، فمن قال: (بِشَقٍّ) فهو موضعٌ، تعني أنَّ أهلها كانوا أصحاب غنمٍ، ليسوا بأصحاب خيلٍ ولا إبلٍ.
          قالت: (فَجَعَلَنِي في أَهْلِ صَهِيلٍ وَأَطِيطٍ)، أي في أهل(42) خيلٍ وإبلٍ؛ لأنَّ الصهيل أصوات الخيل والأطيط أصوات الإبل.
          وقولها: (دَائِسٍ وَمُنَقٍّ)، فإنَّ بعض الناس يتأوَّله دياس الطعام، وأهل الشام يسمُّونه الدراس، وأهل العراق يقولون: داسوا(43) الطعام، ولا أظنُّ واحدةً من هاتين الكلمتين من كلام العرب. وأمَّا قول المحدِّثين: (مُنِقٍّ)، فلا أدري معناه، وأحسبه (مُنَقٍّ) من تنقية الطعام، وأرادت أنَّهم أصحاب زرعٍ. وقال أبو سعيدٍ: الدياس: الطعام الذي أهله في دياسة، وعندهم من الطعام مقتنى، فخيرهم متَّصل. وقال غيره: قوله(44): (مُنِقٍّ)(45) مأخوذٌ من نقنقة الدجاجة، يقال: أنقَّ الرجل: إذا اتَّخذ دجاجًا(46) تنقنق، تقول: فجعلني في أهل طيرٍ، أي نقلني من قفرٍ إلى عِمْرَان(47).
          قال أبو عبيدٍ: وقولها: (فَلا أُقَبَّح)، أي: فلا يقبَّح عليَّ قولي، يقبل منِّي، وأمَّا التقمُّح في(48) الشراب فهو مأخوذ من الناقة المقامح. قال الأصمعيُّ: وهي التي ترد الماء فلا تشرب. قال أبو عبيدٍ: وأحسب قولها: (أَتَقَمَّح)، أروى حتَّى أدع الشرب من شدَّة الريِّ. قال أبو عبيدٍ: ولا أراها قالت هذا إلَّا من عزَّة الماء عندهم، وكلُّ رافعٍ رأسه فهو مقامحٌ وقامحٌ، وفي التنزيل: {إلى الأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ}[يس:8]، وبعض الناس يروونه ((فأتقنَّح))، بالنون ولا أعرف هذا الحرف، ولا أراه إلَّا بالميم.
          وقال أبو سعيدٍ: (أَشْرَبُ فَأَتَقَنَّحُ(49))، هو الشرب على رسلٍ لكثرة اللبن؛ لأنَّها ليست بناهبةٍ غيرها الشرب، وإنَّما ينتهب ما كان قليلًا يخاف عجزه، ويقول(50) الرجل لصاحبه إذا حثَّه على أن يأكل أو يشرب: والله لتقمِّحنَّه، والتقمُّح الازدياد من الشرب. وقال ابن السِّكِّيت في التقنُّح بالنون(51) الذي لم يعرفه أبو عبيدٍ: أتقنَّح(52): أقطع الشراب. قال أبو زيد: قال الكلابيُّون: قَنَحَت تَقنَح قَنْحًا، وهو التكاره(53) في الشراب بعد الريِّ. وقال أبو حنيفة: يقال: قَنَحت من الشراب قَنحًا، وقَنَحت أَقنَح قَنْحًا، تكارهت عليه بعد الريِّ، والغالب تقنَّحت والتَّرنُّح(54) كالتقنُّح.
          قال أبو عبيدٍ: وقولها: (عُكُومُهَا رَدَاحٌ)، فالعكوم: / الأحمال والأعدال(55) التي فيها الأوعية من صنوف الأطعمة والمتاع(56)، واحدها عِكْمٌ، والرداح: العظيمة، تقول: هي عظيمة الحشو.
          وقولها: (كَمَسَلِّ شَطْبَةٍ)(57)، والشطبة أصلها ما شطب من جريد النخل، وهو سعفه(58)، وذلك أنَّه(59) تشقُّ منه قضبانٌ دقاقٌ تنسج منه الحصر، يقال منه للمرأة التي تفعل ذلك شاطبة، وجمعها شواطب، فأخبرت المرأة أنَّه مهفهف ضرب اللحم، شبَّهته بتلك الشطبة، وهذا(60) مَّما يمدح به الرجل.
          قال(61) أبو سعيدٍ: (كَمَسَلِّ(62) شَطْبَةٍ): أي كسيفٍ مسلولٍ، شبَّهته بذي شطبٍ يمانٍ، وسيوف اليمن كلُّها شطبة.
          قال أبو عبيدٍ: وقولها: (وَيُشْبِعُهُ ذِرَاعُ الجَفْرَةِ)، فالجفرة: الأنثى من أولاد الغنم، والذكر جَفرٌ، والعرب تمدح الرجل بقلَّة الأكل والشرب، قال الأعشى:
تكفيه حزَّة فِلذٍ إن ألمَّ بهـا                     من الشِّواءِ وَيُرْوِي شُربـَه الغُمَـُر
          وقولها: (لَا تَبُثُّ حَدِيثَنًا تَبْثِيثًا)، ويروى <تَنثُّ(63) > بالنون، وأحدهما قريب المعنى من الآخر، أي لا تظهر سرَّنا.
          وقولها: (وَلَا تُنَقِّثُ(64) مِيرَتَنَا تَنقِيثًا)، تعني الطعام، لا تأخذه فتذهب به، تصفها بالأمانة، والتَّنقُّث الإسراع في السير، وقال(65) أبو سعيدٍ: التنقيث: إخراج ما في منزل أهلها إلى الأجانب، وهو النقث والنقف، والفاء والثاء يتعاقبان.
          قال(66) أبو عبيدٍ: (وَالأَوْطَابُ): أسقية اللبن، واحدها وَطْبٌ. وقال أبو سعيدٍ النيسابوريُّ: هذا منكرٌ في العربيَّة أن يكون فَعلٌ يجمع على أفعالٍ، لا يقال: كلبٌ وأكلابٌ، ولا وجه وأوجاه، وإنَّما الصحيح الأَوطُب في القلَّة والوِطاب(67) في الكثرة.
          قال(68) أبو عبيدٍ: قالت: (فَلَقِيَ امْرَأَةً مَعَهَا وَلَدَانِ كَالفَهْدَينِ يَلْعَبَانِ مِنْ تَحْتِ خَصْرِهَا بِرُمَّانَتَيْنِ)، تعني أنَّها ذات كفلٍ عظيمٍ، فإذا استقلَّت نأى الكفل بها من الأرض حتَّى تصير تحت خصرها فجوةٌ يجري فيها الرمان.
          قال أبو عبيدٍ: وبعض الناس يذهب بالرُّمانتين أنَّهما الثديان، وليس هذا بموضعه.
          قالت: (فَطَلَّقَنِي وَنَكَحَها، وَنَكَحتُ بَعْدَه رَجُلًا سَرِيًّا رَكِبَ شَرِيًّا)، تعني الفرس أنه يستشري في سيره، أي يلجُّ ويمضي فيه بلا فتورٍ ولا انكسارٍ، ومن هذا قيل للرجل إذا لجَّ في الأمر: قد شري فيه واستشري.
          ابن السِّكِّيت: ركب فرسًا شريًا، أي: خيارًا، من قولهم: هذا(69) شراة المال أي خياره.
          قال(70) أبو عبيدٍ: وقولها: (أَخَذَ خَطِّيًّا)، تعني الرمح، سمِّي خطِّيًّا لأنَّه يأتي من بلادٍ في(71) ناحية البحرين، يقال لها: الخطُّ، فنسبت الرماح إليها، وإنَّما أصل الرماح من الهند، ولكنَّها تحمل إلى الخطِّ في البحر(72) ثمِّ يفرَّق منها في البلاد.
          وقولها: (نَعَمًا ثَرِيًّا)، تعني الإبل، والثري: الكثير من المال وغيره. قال الكسائيُّ: يقال: قد ثري بنو فلانٍ بني فلانٍ يثرونهم، إذا كثروهم فكانوا أكثر منهم.


[1] في (ص): ((جلس)).
[2] في (ز): ((فتظاهرن)) والمثبت من (ص).
[3] في (ص): ((قالت)).
[4] في (ز): ((ولا يريح)) والمثبت من (ص).
[5] في (ص): ((الناد)).
[6] في (ز): ((بمتق)) والمثبت من (ص).
[7] في (ص): ((فما)).
[8] في (ص): ((فما)).
[9] في (ز): ((ذات)) والمثبت من (ص).
[10] في (ص): ((فما)).
[11] في (ص): ((فما)).
[12] في (ز): ((ولا تنقل)) والمثبت من (ص).
[13] في (ص): ((نعمًا)).
[14] قوله: ((يا عائشة)) ليس في (ص).
[15] في (ص): ((بحسن)).
[16] قوله: ((لأنه لما جاز من النساء كفران العشير، جاز تذكيرهن بالإحسان)) ليس في (ص).
[17] في (ز): ((وفي)) والمثبت من (ص).
[18] في (ز): ((أذكر)) والمثبت من (ص).
[19] في (ص): ((واحدها)).
[20] في (ص): ((يقال)).
[21] قوله: ((قال المؤلف)) زيادة من (ص).
[22] قوله: ((قال ثعلب)) ليس في (ص).
[23] في (ص): ((العشنق)).
[24] في (ص): ((قال)).
[25] في (ص): ((ما ذكره غير)).
[26] في (ص): ((شاء)).
[27] في (ص): ((ولا مكروه، وتهامة اسم مكة، الحر فيها بالنهار شديد وليلها معتدل بين الحر والبرد، ولذلك خصته بهذا المثل)).
[28] قوله: ((ولا مخافة)) ليس في (ص).
[29] قوله: ((أخافه)) ليس في (ص).
[30] في (ص): ((له)).
[31] في (ص): ((إنما)).
[32] في (ص): ((التي لا تضرب ولا تلقح)).
[33] قوله: ((وما فيه)) ليس في (ص).
[34] قوله: ((أن)) ليس في (ص).
[35] في (ص): ((ويمكن)).
[36] في (ص): ((وجمعها عمد)).
[37] في (ص): ((قال)).
[38] في (ز): ((أخذت)) والمثبت من (ص).
[39] في (ص): ((والطراق)).
[40] في (ص): ((مدلًا)).
[41] في (ص): ((لظفيرتين)).
[42] في (ص): ((أصحاب)).
[43] في (ص): ((دائس)).
[44] قوله: ((قوله)) ليس في (ص).
[45] زاد في (ص): ((هو)).
[46] في (ص): ((دجاجة)).
[47] قوله: ((أي نقلني من قفر إلى عِمْرَان)) زيادة من (ص).
[48] في (ص): ((من)).
[49] في (ز): ((فأتقمح)) والمثبت من (ص).
[50] في (ص): ((وقول)).
[51] قوله: ((بالنون)) ليس في (ص).
[52] في (ص): ((القنح)).
[53] في (ص): ((التكاثر)).
[54] في (ص): ((الرنح)) وقوله بعدها: ((قال)) زيادة من (ص).
[55] في (ص): ((الأعدال والأحمال)).
[56] في (ص): ((الأطعمة من جميع المتاع)).
[57] قوله: ((تقول: هي عظيمة الحشو. وقولها: (كَمَسَلِّ شَطْبَةٍ).)) ليس في (ص).
[58] في (ص): ((وهي شطبه)).
[59] في (ص): ((أن)).
[60] في (ص): ((وهو)).
[61] في (ص): ((وقال)).
[62] في (ص): ((كمثل)).
[63] قوله: ((ثنث)) ليس في (ص).
[64] في (ص): ((تنفث)) وكذا ما بعده من مواضع كلها بالفاء.
[65] قوله: ((وقال)) زيادة من (ص).
[66] قوله: ((قال))زيادة من (ص).
[67] في (ص): ((والأوطاب)).
[68] قوله: ((قال)) زيادة من (ص).
[69] زاد في (ص): ((من)).
[70] قوله: ((قال)) زيادة من (ص).
[71] في (ص): ((من)).
[72] في (ص): ((البحرين)).