شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها

          ░118▒ بَاب لا تُبَاشِرِ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ فَتَنْعَتَهَا لِزَوْجِهَا.
          فيه ابْنُ مَسْعُودٍ: قال النَبيُّ صلعم: (لا تُبَاشِرُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ، فَتَنْعَتَهَا لِزَوْجِهَا كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا). [خ¦5240]
          قال أبو الحسن بن القابسيِّ: هذا من أبين ما تحمى به الذرائع، فإن وصفتها لزوجها بحسنٍ خيف عليه الفتنة، فيكون ذلك سببًا إلى طلاق(1) زوجته، ونكاحها إن كانت ثيِّبًا، وإن كانت ذات بعلٍ كان ذلك سببًا لبغضه زوجته ونقصان منزلتها عنده، وإن وصفتها بقبحٍ كان ذلك غيبةً، وقد جاء عن النبيِّ صلعم ((أنَّه نهى الرجل عن مباشرة الرجل مثل نهيه للمرأة سواءٌ(2))).
          قال الطبريُّ: وحدَّثنا أبو كريبٍ قال: حدَّثنا عبيد الله بن موسى، حدَّثنا إسرائيل، عن سِمَاكٍ، عن عِكْرِمَة، عن ابن عبَّاسٍ قال: قال رسول الله صلعم: ((لا يباشر الرجل الرجل، ولا المرأة المرأة)).
          قال الطبريُّ: فيه البيان عن أنَّ(3) مباشرة الرجل الرجل والمرأة المرأة مفضيًا كلُّ واحدٍ منهما بجسده إلى جسد صاحبه غير جائزٍ.
          فإن قال قائل: هذه الأخبار هي على العموم أم على الخصوص؟ قيل: على العموم فيما عنيت به، وعلى الخصوص فيما يحتمله ظاهرها.
          فإن قيل: وكيف كان ذلك؟ قيل: لقيام(4) الحجَّة بجواز مصافحة الرجل الرجل والمرأة المرأة، وذلك مباشرةٌ من كلِّ واحدٍ منهما صاحبه ببعض جسده، فكان معلومًا بذلك، إذ لم يكن في قوله ◙: ((لا يباشر الرجل الرجل ولا المرأة المرأة)) استثناءٌ مقرونٌ به في الخبر، وكانت المصافحة مباشرةٌ وهي من الأمور التي ندب المسلمون إليها كالذي حدَّثنا أحمد بن منصور، حدَّثنا زيد بن الحُبَاب، حدَّثنا بكر أبو(5) عبيدة الناجيُّ، حدَّثنا الحسن، عن البراء بن عازبٍ، قال: قال رسول الله صلعم: ((إنَّ المسلمين إذا التقيا فتصافحا تحاتَّت ذنوبهما)).
          وحدَّثنا أبو كريبٍ، حدَّثنا ابن المبارك، حدَّثنا يحيى بن أيُّوب، عن عبيد الله(6) بن زَحْرٍ، عن عليِّ بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلعم: ((تمام تحيَّتكم بينكم المصافحة))، ونحو ذلك من الأخبار الدالَّة على أنَّ المسلمين مندوبون إلى مباشرة بعضهم بعضًا بالأكفِّ مصافحةً عند الالتقاء، وكان محالًا اجتماع الأمر بفعل الشيء والنهي عنه في حالةٍ واحدةٍ، عُلِم أنَّ الذي ندب العبد إلى المباشرة به من جسم أخيه غير الذي نهي عنه من مباشرته به.
          وقال ابن القاسم: سئل مالكٌ عن الخدم يبيتون عراةً في لحافٍ واحدٍ في الشتاء، فكره ذلك(7) وأنكر أن تبيت النساء عراةً لا ثياب عليهنَّ؛ لأنَّ ذلك إشرافٌ على العورات، وذلك غير جائزٍ لنهي رسول الله(8) صلعم عن مباشرة الرجال والنساء بعضهم بعضًا. /


[1] في (ص): ((لطلاق)).
[2] قوله: ((سواء)) ليس في (ص).
[3] في (ص): ((وفيه من البيان أن)).
[4] في (ص): ((ذلك لعل جواز)).
[5] في (ز): ((ابن)) والمثبت من (ص).
[6] في (ص): ((حدثنا أيوب عن يحيى بن عبيد الله)).
[7] في (ص): ((فكرهه)).
[8] في (ص): ((النبي)).