شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب ما يكره من ضرب النساء

          ░93▒ بَاب مَا يُكْرَهُ مِنْ ضَرْبِ النِّسَاءِ، وَقَوْلِه(1) تعالى: {وَاضْرِبُوهُنَّ}، أي ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ.
          فيه: عَبْدُ اللهِ بْنُ زَمْعَةَ: قَالَ النَّبيُّ صلعم: (لا يَجْلِدُ أَحَدُكُمُ امْرَأَتَهُ جَلْدَ الْعَبْدِ، ثُمَّ يُجَامِعُهَا في آخِرِ الْيَوْمِ). [خ¦5204]
          قال بعض أهل العراق: أمر(2) الله تعالى بهجر النساء في المضاجع وضربهنَّ تذليلًا منه للنساء وتصغيرًا لهنَّ على إيذاء بعولتهنَّ، ولم يأمر في شيءٍ من كتابه بالضرب صراحًا إلَّا في ذلك وفي الحدود العظام، فساوى معصيتهنَّ لأزواجهنَّ بمعصية أهل الكبائر، وولَّى الأزواج ذلك دون الأئمَّة، وجعله لهم دون القضاة بغير شهودٍ ولا بيِّناتٍ ائتمانًا من الله تعالى للأزواج على النساء.
          قال المُهَلَّب: وإنَّما يكره من ضرب النساء التعدِّي / فيه والإسراف، وقد بيَّن النبيُّ صلعم ذلك فقال: (ضَرْبَ العَبْدِ)، فجعل ضرب العبد(3) من أجل الرقِّ فوق ضرب الحرِّ لتباين حالتيهم، ولأنَّ ضرب النساء إنَّما جوِّز من أجل امتناعها على زوجها في المباضعة.
          واختلف في وجوب ضربها في الخدمة، والقياس يوجب إذا جاز ضربها في المباضعة جاز في الخدمة الواجبة للزوج عليها بالمعروف.
          وقوله: (ثُمَّ يُجَامِعُهَا ذَلِكَ الْيَوْمِ)، تقبيحٌ من النبيِّ صلعم للاضطراب(4) وقرب التناقض لقلَّة الرياضة لهنَّ بذلك(5)؛ لأنَّ المرأة إذا عرفت قرب الرجعة وسرعة الفيئة لم تعبأ بإيذائه، ولا يقع فيها ما ندب الله إليه من رياضتها، ويدلُّ على ذلك طول هجران النبيِّ صلعم لأزواجه المدَّة الطويلة(6)، وكذلك كان هجران النبيِّ صلعم والمسلمين لكعب بن مالكٍ وصاحبيه(7) حتَّى مضى خمسون ليلةً.
          وقال قَتادة في قوله: (ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّح) قال: يعني غير شائنٍ، وقال الحسن: غير مؤثِّرٍ.
          وقد تقدَّم في باب موعظة الرجل ابنته لحال زوجها اختلاف العلماء في ضرب النِّساء، واختلاف الآثار في ذلك، وبيان مذاهبهم، والحمد لله. [خ¦5191]


[1] في (ص): ((وقول الله)).
[2] في (ص): ((فأمر)).
[3] قوله: ((فجعل ضرب العبد)) ليس في (ص).
[4] في (ص): ((للضرب)).
[5] في (ص): ((لذلك لهن)).
[6] زاد في (ص): ((ولم يكن ذلك يومًا ولا يومين ولا ثلاثة)).
[7] قوله: ((وصاحبيه)) ليس في (ص) وبعدها فيها: ((مضت)).