شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب العدل بين النساء

          ░99▒ بَاب الْعَدْلِ بَيْنَ النِّسَاءِ وَقَوْلِ اللهِ تعالى: / {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ(1)}[النساء:129].
          قوله تعالى: {وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء}[النساء:129]، أي لن تطيقوا أيُّها الرجال أن تسوُّوا بين نسائكم في حبهنَّ بقلوبكم حتَّى تعدلوا بينهنَّ في ذلك؛ لأنَّ ذلك ممَّا لا تملكونه {وَلَوْ حَرَصْتُمْ}[النساء:129]، يعني ولو حرصتم في تسويتكم بينهنَّ في ذلك. قال ابن عبَّاسٍ: لا تستطيع أن تعدل بالشهوة فيما بينهنَّ ولو حرصت.
          قال ابن المنذر: ودلَّت هذه الآية أنَّ التسوية بينهنَّ في المحبَّة غير واجبةٍ، وقد أخبر النبيُّ صلعم أنَّ عائشة أحبُّ إليه من غيرها من أزواجه، {فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ}[النساء:129]بأهوائكم حتَّى يحملكم ذلك أن تجوروا في القسم على التي لا تحبُّون.
          وقوله: {فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ}[النساء:129]، يعني لا أيِّم ولا ذات بعلٍ، {وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا}[النساء:129]، يقول: وإن تصلحوا فيما بينكم وبينهنَّ بالاجتهاد منكم في العدل بينهنَّ وتتَّقوا الميل فيهنَّ فإنَّ الله غفورٌ لما(2) عجزت عنه طاقتكم من بلوغ العدل(3) منكم فيهنَّ.
          روى عبد الوهَّاب(4)، عن أيُّوب، عن أبي قِلابة، عن عائشة(5): ((أنَّ النَّبيَّ صلعم كان يقسم بين نسائه ويقول: اللَّهُمَّ هذا(6) قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك)).
          وروى هَمَّام بن يحيى، عن قَتادة، عن النضر بن أنسٍ، عن بشير بن نَهِيْكٍ، عن أبي هريرة، عن النَّبيِّ صلعم قال: ((من كانت له امرأتان يميل مع إحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة أحد شقِّيه ساقطٌ(7))).
          قال الطحاويُّ: وكأنَّ معنى هذا الحديث عندنا على الميل إليها بغير إذن صاحبتها له في ذلك، فأمَّا إذا أذنت له في ذلك وأباحته فليس يدخل في هذا المعنى كما فعلت سودة حين وهبت يومها لعائشة؛ لأنَّ حقَّها إنَّما تركته بطيب نفسها، فهي في حكمها لو لم يكن له امرأةٌ غيرها.


[1] قوله: ((فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة)) ليس في (ص). وبعدها فيها: ((وقوله)).
[2] في (ص): ((فيما)).
[3] في (ص): ((الميل)).
[4] في (ص): ((وروى عبد الرحمن)).
[5] قوله: ((عن عائشة)) ليس في (ص).
[6] في (ص): ((اللَّهُمَّ إن ذا)).
[7] في (ص): ((وإحدى شقيه ساقطًا)).