شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الهدية للعروس

          ░64▒ بَاب الْهَدِيَّةِ لِلْعَرُوسِ.
          فيه: أَنَسٌ(1): كَانَ النَّبيُّ صلعم إِذَا مَرَّ بِجَنَبَاتِ أُمِّ سُلَيْمٍ دَخَلَ عَلَيْهَا، فَسَلَّمَ عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ: كَانَ النَّبيُّ صلعم عَرُوسًا بِزَيْنَبَ، فَقَالَتْ لي أُمُّ سُلَيْمٍ: لَوْ أَهْدَيْنَا إلى النَّبيِّ صلعم(2) هَدِيَّةً، فَقُلْتُ لَهَا: افْعَلِي، فَعَمَدَتْ إلى تَمْرٍ وَسَمْنٍ وَأَقِطٍ(3)، فَاتَّخَذَتْ حَيْسَةً في بُرْمَةٍ، فَأَرْسَلَتْ بِهَا مَعِي إِلَيْهِ، فَانْطَلَقْتُ بِهَا إِلَيْهِ، فَقَالَ لي: (ضَعْهَا)، ثُمَّ أَمَرَنِي، فَقَالَ: (ادْعُ لي رِجَالًا _سَمَّاهُمْ_ وَادْعُ لي مَنْ لَقِيتَ)، قَالَ: فَفَعَلْتُ الذي أَمَرَنِي فَرَجَعْتُ، فَإِذَا الْبَيْتُ غَاصٌّ بِأَهْلِهِ، فَرَأَيْتُ النَّبيَّ صلعم وَضَعَ يَدَهُ على تِلْكَ الْحَيْسَةِ، وَتَكَلَّمَ بِمَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ جَعَلَ يَدْعُو عَشَرَةً عَشَرَةً يَأْكُلُونَ مِنْهُ، وَيَقُولُ لَهُمُ: (اذْكُرُوا اسْمَ اللهِ، وَلْيَأْكُلْ كُلُّ رَجُلٍ(4) مِمَّا يَلِيهِ)(5) حَتَّى تَصَدَّعُوا كُلُّهُمْ عَنْهَا، فَخَرَجَ مِنْهُمْ مَنْ خَرَجَ، وَبَقِي نَفَرٌ يَتَحَدَّثُونَ، قَالَ: وَجَعَلْتُ أَغْتَمُّ، ثُمَّ خَرَجَ النَّبيُّ صلعم نَحْوَ الْحُجُرَاتِ، وَخَرَجْتُ في إِثْرِهِ، فَقُلْتُ: إِنَّهُمْ قَدْ ذَهَبُوا، فَرَجَعَ فَدَخَلَ الْبَيْتَ، وَأَرْخَى السِّتْرَ، وَإِنِّي(6) لَفِي الْحُجْرَةِ، وَهُوَ يَقُولُ: ({يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إلى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ}(7))[الأحزاب:53]. [خ¦5163]
          قال المُهَلَّب: فيه الهديَّة للعروس من أجل أنَّه مشغولٌ بأهله ومانعٌ لها عن تهيئة الطعام واستعماله، فلذلك استُحِبَّ أن يهدى لهم طعامٌ من أجل اشتغالهم عنه بأوَّل اللقاء كما كان(8) هذا المعنى في الجنائز لاشتغالهم بالحزن حتَّى سمِّي ذلك الطعام(9) تعزيةً.
          وفيه: أنَّ من سنَّة العروس إذا فضل له(10) طعامٌ أن يدعو له من خفَّ عليه من إخوانه، فيكون زيادةً في الإعلان بالنكاح وسببًا إلى صالح دعاء الآكلين(11) ورجاء البركة بأكلهم.
          وفيه: من أعلام النبوَّة، وهو أكل القوم الكثير من الطعام القليل.
          وفيه: أنَّه لا بأس بالصبر على الأذى من الصديق(12) والجار والمعرفة، والاستحياء منه لاسيَّما إذا لم يقصد الأذى، وإنَّما كان عن جهلٍ أو غفلةٍ، فهو(13) أولى أن يستحيى منه لذلك.


[1] زاد في (ص): ((قال)).
[2] في (ص): ((لرسول الله)).
[3] في (ص): ((وأقط وسمن)).
[4] في (ص): ((واحد)).
[5] زاد في (ص): ((قال)).
[6] في (ص): ((وإنني)).
[7] في (ص): (({إِلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إلى طَعَامٍ..} الآية)).
[8] قوله: ((كان)) ليس في (ص).
[9] (ص): ((حتى كان ذلك الطعام يسمَّى)).
[10] في (ص): ((عنده)).
[11] في (ص): ((الأكابر)).
[12] في (ز): ((للصديق)) والمثبت من (ص).
[13] في (ص): ((فهذا)).