شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب غيرة النساء ووجدهن

          ░108▒ بَاب غَيْرَةِ النِّسَاءِ وَوَجْدِهِنَّ.
          فيه عَائِشَةُ: قَالَ(1) النَّبيُّ صلعم: (إِنِّي لأعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى)، قَالَتْ: فَقُلْتُ(2): مِنْ أَيْنَ تَعْرِفُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: (أَمَّا إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، فَإِنَّكِ تَقُولِينَ: لا، وَرَبِّ مُحَمَّدٍ، وَإِذَا كُنْتِ على غَضْبَى، قُلْتِ: لا، وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ)، قَالَتْ: قُلْتُ: أَجَلْ وَاللهِ(3)، مَا أَهْجُرُ إِلَّا اسْمَكَ. [خ¦5228]
          وفيه عَائِشَةُ(4): (مَا غِرْتُ على امْرَأَةٍ لِرَسُولِ اللهِ صلعم مَا غِرْتُ على خَدِيجَةَ؛ لِكَثْرَةِ ذِكْرِ رَسُولِ اللهِ صلعم إِيَّاهَا، وَثَنَائِهِ عَلَيْهَا، وَقَدْ أُوحِيَ إلى النَّبيِّ صلعم(5) أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ لَهَا في الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ). [خ¦5229]
          فيه(6): الصبر على النساء(7) على ما يبدو منهنَّ من الجفاء والحرج عند الغيرة لما جبلن عليه منها، وأنَّهنَّ لا تملكنها، فعفي عن عقوبتهنَّ على ذلك وعذرهنَّ الله ╡ فيه.
          قال المُهَلَّب: وقولها: (مَا أَهْجُرُ إِلَّا اسْمَكَ)، يدلُّ(8) أنَّ الاسم في المخلوقين غير المسمَّى، ولو كان المسمَّى وهجرت اسمه لهجرته بعينه، ويدلُّ(9) على ذلك أنَّ من قال: أكلت اسم العسل، واسم الخبز، فإنَّه لا يفهم أنَّه أكل الخبز والعسل، وكذلك إذا قال(10): لقيت اسم زيدٍ، لا يفهم منه أنَّه لقي زيدًا، ويبيِّن ذلك ما نشاهده من تبديل أسماء المماليك(11) وتبديل كنى الأحرار ولا تتبدَّل الأشخاص مع ذلك.
          قال المُهَلَّب: وإنَّما يصحُّ عند تحقيق النظر أن يكون الاسم هو المسمَّى في الله ╡ وحده لا فيما سواه من المخلوقين، لمباينته تعالى في أسمائه وصفاته حكم أسماء المخلوقين وصفاتهم.
          فإن قيل: فإذا كان الاسم غير المسمَّى في المخلوقين، فيلزم كذلك في الباري ╡، قيل: هذا غير لازمٍ؛ لأنَّ طرق العلم / بالشيء إنَّما يؤخذ من جهة الاستدلال عليه بمثله وشبهه، أو من حكم ضدِّه، وعلمنا يقينًا أنَّ الله تعالى لا شبه له بقوله ╡: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}[الشورى:11]، وبقوله جل من قائلٍ: {وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ}[الإخلاص:3]، فثبت بذلك أنَّه لا ضدَّ له؛ لأنَّ حكم الضدِّ إنَّما يعلم من حكم ضدِّه، فلمَّا لم يكن لله تعالى شبهٌ ولا ضدٌّ يستدلُّ على اسمه إن(12) كان غير المسمَّى، لم يجز لنا أن نقول بذلك في الله تعالى؛ لإجماع أهل السنَّة على أنَّ صفات الله تعالى لا تشبه صفات المخلوقين من قِبَل أنَّ الشيئين لا يشتبهان باتِّفاق أسمائهما، وإنَّما يشتبهان بأنفسهما، ولمَّا كانت نفس الباري سبحانه وتعالى غير مشبهةٍ لشيءٍ من العالم كانت كذلك صفاته وأسماؤه، ألا ترى وصف الباري تعالى بأنَّه موجودٌ ووصف الإنسان بذلك لا يوجب تشابهًا بينهما، وإن كانا قد اتَّفقا في حقيقة الوجود، هذا قول ابن مجاهدٍ(13).
          وسيأتي في كتاب الرَّدِّ على الجهميَّة، وهو الجزء الثاني من الاعتصام في آخر هذا الديوان في باب السؤال بأسماء الله تعالى والاستعاذة بها تبيين مذاهب أهل السنَّة أنَّ اسم الله ╡ هو المسمَّى، فهو موضع ذكره إن شاء الله(14)، [خ¦7393] وسأذكر في كتاب الأدب في باب حسن العهد من الإيمان تفسير القصب(15) المذكور في حديث عائشة إن شاء الله تعالى. [خ¦6004]


[1] زاد في (ص): ((لي)).
[2] زاد في (ص): ((يا رسول الله)).
[3] زاد في (ص): ((يا رسول الله)).
[4] زاد في (ص): ((أنها قالت)).
[5] في (ص): ((رسول الله)).
[6] في (ص): ((وفيه)).
[7] في (ز): ((للنساء)) والمثبت من (ص).
[8] زاد في (ص): ((على)).
[9] في (ز): ((ويدخل)) والمثبت من (ص).
[10] قوله: ((أكلت اسم العسل،.... إذا قال)) زيادة من (ص).
[11] في (ص): ((المملوكين)).
[12] في (ص): ((إذا)).
[13] قوله: ((بذلك في الله تعالى؛ لإجماع أهل السنة ًا.... هذا قول ابن مجاهد)) ليس في (ص).وبدلا عنها في (ص): ((ذلك مع أن النبي ◙ لم يكلم بذلك ولا شبَّه لأمته ولا تكلم به أبو بكر وعمر ولا الصحابة ولا يجوز أن تقاس أسماء الله وصفاته على أسماء المخلوقين وصفاتهم ولا يقال إن اسم الله غير المسمى من أجل جواز ذلك فينا))
[14] قوله: ((أن اسم الله ╡ هو المسمى، فهو موضع ذكره إن شاء الله)) ليس في (ص).
[15] في (ص): ((الفضل)). وقوله: ((في حديث عائشة إن شاء الله تعالى)) ليس فيها.