شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب هجرة النبي نساءه في غير بيوتهن

          ░92▒ بَاب هِجْرَةِ النَّبيِّ صلعم نِسَاءَهُ في غَيْرِ بُيُوتِهِنَّ.
          وَيُذْكَرُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ: (غَيْرَ أَنْ لَا(1) تُهْجَرَ إِلَّا في الْبَيْتِ)وَالأوَّلُ أَصَحُّ.
          فيه أُمُّ سَلَمَةَ: (أَنَّ النَّبيَّ صلعم حَلَفَ أّلَّا يَدْخُلُ على بَعْضِ أَهْلِهِ شَهْرًا، فَلَمَّا مَضَى تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا، غَدَا(2) عَلَيْهِنَّ)الحديث. [خ¦5202]
          وفيه ابْنُ عَبَّاسٍ: أَصْبَحْنَا يَوْمًا وَنِسَاءُ النَّبيِّ صلعم يَبْكِينَ، عِنْدَ كُلِّ امْرَأَةٍ(3) أَهْلُهَا، فَخَرَجْتُ إلى الْمَسْجِدِ، فَإِذَا هُوَ مَلآنُ مِنَ النَّاسِ، فَجَاءَ عُمَرُ(4) فَصَعِدَ إلى النَّبيِّ صلعم(5) في غُرْفَةٍ لَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ، فَنَادَاهُ، فَدَخَلَ على النَّبيِّ صلعم فَقَالَ: أَطَلَّقْتَ نِسَاءَكَ؟ قَالَ: (لا، وَلَكِنْ آلَيْتُ مِنْهُنَّ شَهْرًا)، فَمَكَثَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً(6)، ثُمَّ دَخَلَ على نِسَائِهِ. [خ¦5203]
          قال المُهَلَّب: هذا(7) الذي أشار إليه البخاريُّ من أنَّ الهجران لا يكون إلَّا في غير بيوت الزوجات من أجل ما فعله النبيُّ صلعم؛ لأنَّه انفرد عنهنَّ في وقت الهجران في مشربته(8) واعتزل بيوتهنَّ، فكأنَّه(9) أراد البخاريُّ أن يستنَّ الناس به في هجر نسائهم لما فيه من الرفق بالنساء(10)؛ لأنَّ هجرانهنَّ مع الكون في بيوتهنَّ آلم لأنفسهنَّ وأوجع لقلوبهنَّ، لما يتطرَّق إليه من العتاب والغضب والإعراض، ولما في غيبة الرجل عن أعينهنَّ من تسليتهنَّ عن الرجال.
          وهذا الذي عرض(11) إليه ليس بواجبٍ؛ لأنَّ الله تعالى قد أمر بهجرانهنَّ في المضاجع فضلًا عن البيوت.
          وقال غيره: بل(12) إنَّما اعتزلهنَّ في غير(13) بيوتهنَّ؛ لأنَّه أنكى لهنَّ وأبلغ في عقوبتهنَّ. وروى ابن وهبٍ، عن مالكٍ قال: بلغني أنَّ عُمَر بن عبد العزيز كان له نساءٌ، فكان يغاضب بعضهنَّ، فإذا كانت ليلتها جاء فبات عندها ولم يبت عند غيرها، وكان يفترش في حجرتها فيبيت فيها، وتبيت هي في بيتها. قلت لمالكٍ: وذلك له واسعٌ؟ فقال(14): نعم، وذلك في كتاب الله: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ}[النساء:34].
          وقال ابن عبَّاسٍ: الهجران أن يكون الرجل وامرأته على(15) فراشٍ واحدٍ ولا يجامعها. وقال السُّدِّيُّ: هجرها في المضجع أن يرقد معها ويولِّيها ظهره، ويطأها ولا يكلِّمها. وعن ابن عبَّاسٍ قال(16): يهجرها بلسانه ويغلظ لها بالقول، ولا يدع جماعها. ذكره الطبريُّ، فيكون معنى الآية على هذا التأويل(17): قولوا لهنَّ من القول هجرًا في تركهنَّ مضاجعتكم.


[1] في (ص): ((حيدة، رفعه: لا)).
[2] في (ص): ((عبر)).
[3] زاد في (ص): ((منهن)).
[4] زاد في (ص): ((ابن الخطاب)).
[5] في (ص): ((وصعد إلى المنبر)). وزاد فيها بعده: ((وهو)).
[6] قوله: ((ليلة)) ليس في (ص).
[7] في (ز): ((هو)) والمثبت من (ص).
[8] في (ص): ((مشربة)).
[9] في (ص): ((وكأنه)).
[10] قوله: ((بالنساء)) ليس في (ص).
[11] في (ص): ((أشار)).
[12] قوله: ((بل)) ليس في (ص).
[13] قوله: ((غير)) زيادة من (ص).
[14] في (ص): ((قال)).
[15] في (ص): ((في)).
[16] في (ص): ((وقال ابن عباس نحوه، قال)).
[17] في (ص): ((القول)).