شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله

          ░72▒ بَاب مَنْ تَرَكَ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللهَ وَرَسُولَهُ.
          فيه أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: (شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ، يُدْعَى لَهَا الأغْنِيَاءُ، وَيُتْرَكُ(1) الْفُقَرَاءُ، وَمَنْ تَرَكَ الدَّعْوَةَ، فَقَدْ عَصَى اللهَ وَرَسُولَهُ). [خ¦5177]
          هذا الحديث موقوفٌ على أبي هريرة، إلَّا أنَّ قوله: (فَقَدْ عَصَى اللهَ وَرَسُولَهُ)، يقضي برفعه، وقد أخرجه أهل التصنيف في المسند كما أخرجوا حديث ابن شهابٍ، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة(2): ((لولا أن يشقَّ على أمَّته لأمرهم(3) بالسواك عند كلِّ صلاةٍ))، وحديث أبي الشعثاء، عن أبي هريرة: ((أنَّه رأى رجلًا خارجًا من المسجد بعد الأذان، فقال: أمَّا هذا فقد عصى أبا القاسم صلعم))، ومثل هذا لا يكون رأيًا، وإنَّما يكون توقيفًا.
          وهذا الحديث حجَّةٌ في وجوب إجابة دعوة الوليمة، ولا خلاف في ذلك بين الصحابة والتابعين إلَّا ما روي عن ابن مسعودٍ أنَّه قال: ((نهينا أن نجيب من يدعو الأغنياء ويترك الفقراء))، وقد دعا ابن عمر في وليمةٍ(4) الأغنياء والفقراء، فجاءت قريشٌ والمساكين معهم، فقال ابن عمر للمساكين: هاهنا اجلسوا، لا تفسدوا عليهم ثيابهم(5)، فإنَّا سنطعمكم ممَّا يأكلون.
          قال ابن حبيبٍ: ومن فارق السنَّة في وليمته(6) فلا دعوة له ولا معصية في ترك إجابته، وقد حدَّثني المغيرة(7) أنَّه سمع سفيان الثوريَّ يقول: إنَّما تفسير وجوب(8) إجابة الدعوة إذا دعاك من لا يفسد عليك دينك وقلبك. وحدَّثني عليُّ بن مَعْبَدٍ، عن بقيَّة بن الوليد، عن محمَّد بن عبد الرحمن، عن شقيق بن سلمة، عن ابن مسعودٍ قال: إذا اتُّخِذت النجد وخُصَّ الغنيُّ وترك الفقير أمرنا ألَّا نجيب. وحدَّثني المغيرة(9)، عن الثوريِّ، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة، أنَّه كان يقول: أنتم العاصون في الدعوة تدعون من لا يأتي(10) وتدعون من يأتيكم، يعني بمن لا يأتي: الأغنياء، ومن يأتيهم: الفقراء.
          وليس يحرم الطعام بدعوة الأغنياء وترك الفقراء، وإنَّما المحرَّم فعل صاحب الطعام فيه إذا تعمَّد ذلك. /


[1] زاد في (ص): ((لها)).
[2] زاد في (ص): ((أنه قال)).
[3] في (ص): ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم)).
[4] في (ص): ((دعوته)).
[5] قوله: ((ثيابهم)) ليس في (ص).
[6] في (ص): ((وليمة)).
[7] في (ز): ((ابن المغيرة)) والمثبت من (ص).
[8] قوله: ((وجوب)) زبادة من (ص).
[9] في (ز): ((وحدثنا ابن المغيرة)) والمثبت من (ص).
[10] في (ز): ((من يأتي)) وكذا في الموضع بعده والمثبت من (ص).