شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الوليمة ولو بشاة

          ░68▒ بَاب الْوَلِيمَةِ وَلَوْ بِشَاةٍ.
          فيه أَنَسٌ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ نَزَلَ عَلَى سَعدِ(1) بْنِ الرَّبِيعِ، لمَّا نَزَلَ المُهَاجِرُونَ عَلَى الأَنْصَارِ، فَقَالَ: أُقَاسِمُكَ مَالِي، وَأَنْزِلُ لَكَ عَنْ إِحْدَى امْرَأَتَيَّ، قَالَ: بَارَكَ اللهُ لَكَ في أَهْلِكَ وَمَالِكَ، فَخَرَجَ إلى السُّوقِ، فَبَاعَ وَاشْتَرَى، فَأَصَابَ شَيْئًا مِنْ أَقِطٍ وَسَمْنٍ، فَتَزَوَّجَ، فَقَالَ النَّبيُّ صلعم: (أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ). [خ¦5167]
          وفيه أَنَسٌ: مَا أَوْلَمَ النَّبيُّ صلعم على شَيْءٍ مِنْ نِسَائِهِ مَا أَوْلَمَ على زَيْنَبَ، أَوْلَمَ بِشَاةٍ. [خ¦5168]
          وفيه أَنَسٌ: أَنَّ النَّبيَّ صلعم أَعْتَقَ صَفِيَّةَ فتَزَوَّجَهَا(2)، وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا، وَأَوْلَمَ عَلَيْهَا بِحَيْسٍ. [خ¦5169]
          وفيه أَنَسٌ: بَنَى النَّبيُّ صلعم بِامْرَأَةٍ، فَأَرْسَلَنِي، فَدَعَوْتُ رِجَالًا إِلَى الطَّعَامِ. [خ¦5170]
          قال المُهَلَّب: اختلاف فعل النَّبيِّ صلعم في هذه الولائم المختلفة يدلُّ على ما ذكرناه في الباب قبل هذا أنَّها إنِّما تجب على قدر اليسار والوجود في الوقت، وليس قوله لعبد الرحمن: (أَوْلِمْ وَلَو بِشَاةٍ) منعًا لما دون ذلك، وإنَّما جعل الشاة غايةً في التقليل لعبد الرحمن ليساره وغناه(3)، وأنَّها ممَّا يستطيع عليها ولا يُجحفه، ألا ترى أنَّه صلعم أولم على صفيَّة وليمة حيسٍ ليس فيها خبزٌ ولا لحمٌ، وأولم / على غيرها بمُدَين من شعيرٍ، ولو وجد حينئذٍ شاةً لأولم بها؛ لأنَّه كان أجود الناس وأكرمهم.
          وفي حديث عبد الرحمن بن عوفٍ(4) استحباب الذبح في الولائم لمن وجد ذلك.
          وفيه: أنَّ الوليمة قد تكون بعد البناء؛ لأنَّ قول النبيِّ صلعم له: (أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ)، كان بعد البناء(5)، وإنَّما معنى الوليمة إشهار النكاح وإعلانه، إذ قد تهلك البيِّنة، قاله ربيعة، وقاله مالكٌ(6) في كتاب ابن الموَّاز، فكيفما وقع الإشهار جاز النكاح.
          قال ابن وضَّاحٍ: الحيس التمر ينزع نواه ويخلط بالسَّوِيق.
          وقول أنسٍ: (فَبَعَثَنِي(7) النَّبيُّ صلعم فَدَعَوْتُ رِجَالًا إِلَى الطَّعَامِ) فيه أنَّ لصاحب الوليمة أن يبعث الرسل فيمن يحضر وليمته، وإن لم يتولَّ ذلك بنفسه.


[1] في (ز): ((سعيد)) والمثبت من (ص).
[2] في (ص): ((وتزوجها)).
[3] في (ص): ((وغنائه)).
[4] في (ص): ((وفي حديث عبد الله)).
[5] قوله: ((كان بعد البناء)) ليس في (ص).
[6] في (ص): ((ربيعة ومالك)).
[7] في (ص): ((بعثني)).