شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب المرأة تهب يومها من زوجها لضرتها وكيف يقسم ذلك؟

          ░98▒ بَاب الْمَرْأَةِ تَهَبُ يَوْمَهَا مِنْ زَوْجِهَا(1) لِضَرَّتِهَا وَكَيْفَ يَقْسِمُ ذَلِكَ.
          فيه عَائِشَةُ: (أَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ، وَكَانَ النَّبيُّ صلعم يَقْسِمُ لِعَائِشَةَ بِيَوْمِهَا وَيَوْمِ سَوْدَةَ). [خ¦5212]
          وقوله: (وَكَيْفَ يَقْسِمُ ذَلِكَ) يريد أن تكون فيه الموهوبة بمنزلة الواهبة في رتبة القسمة، فإن كان يوم سودة ثالثًا ليوم عائشة أو رابعًا أو خامسًا، استحقَّته عائشة على حسب القسمة التي كانت لسودة ولا تتأخَّر عن ذلك اليوم ولا تتقدَّم، ولا يكون ثالثًا ليوم عائشة إلَّا أن يكون يوم سودة بعد يوم عائشة.
          قال المُهَلَّب: وأجراه النبيُّ صلعم مجرى الحقوق الواجبة، ولم يجره على أصل المسألة من الحكم فيه بما جعل الله له من ذلك بقوله تعالى: {وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَاء}[الأحزاب:51]، فأجراه مجرى الحقوق تفضُّلًا(2) منه صلعم ليكون أبلغ في رضاهنَّ، كما قال الله تعالى: {ذَلِكَ أَدْنَى أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ(3)}[الأحزاب:51]، أي لا يحزنَّ إذا كان(4) منزَّلًا عليك من الله، ويرضين بما أعطيتهنَّ من تقريبٍ وإرجاءٍ.
          وقال قَتادة في قوله: {تُرْجِي مَن تَشَاء مِنْهُنَّ} الآية[الأحزاب:51]، قال: هذا شيءٌ خصَّ الله به نبيَّه صلعم، وليس لأحدٍ غيره، كان يدع المرأة من نسائه ما بدا له من غير طلاقٍ، فإذا(5) شاء راجعها. وقال(6) غيره: وكان ممَّن آوى عائشة وأمَ سلمة وزينب وحفصة، وكان قسمه من نفسه وماله فيهنَّ سواءٌ، وكان ممَّن أرجى سودة وجويرية وصفيَّة وأمَّ حبيبة وميمونة، وكان يقسم لهنَّ ما شاء.
          واختلفوا في كم يقسم لكلِّ واحدةٍ من نسائه، فقال ابن القاسم: لم أسمع مالكًا يقول إلَّا يومًا لهذه ويومًا لهذه. وقال الشافعيُّ: إن أراد أن يقسم ليلتين ليلتين، وثلاثًا ثلاثًا كان ذلك له، وأكره مجاوزة الثلاث بين العدد(7).
          قال ابن المنذر: لا(8) أرى مجاوزة يوم، إذ لا حجَّة مع من تخطَّى سنَّة الرسول(9) صلعم إلى غيره(10)، ألا ترى قولها في الحديث: (إِنَّ سَودَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ)، ولم يحفظ عن النبيِّ صلعم في قسمه بين أزواجه(11) أكثر من يومٍ وليلةٍ، ولو جاز ثلاثة أيَّامٍ لجاز خمسة أيَّامٍ ولجاز شهرٌ، ثمَّ يتخطَّى بالقول إلى ما لا نهاية له، ولا يجوز معارضة السنَّة.
          وكان مالكٌ يقول: لا بأس أن يقيم الرجل عند أمِّ ولده اليوم واليومين(12) والثلاثة ولا يقيم عند الحرَّة إلَّا يومًا من غير أن يكون مضارًّا، وكذلك قال الشافعيُّ: يأتي الإماء كيف(13) شاء أكثر ممَّا يأتي الحرائر الأيَّام والليالي، فإذا صار إلى النساء(14) الحرائر عدل بينهنَّ.


[1] قوله: ((من زوجها)) ليس في (ص).
[2] في (ص): ((وتفضلًا)).
[3] زاد في (ص): ((كلهن)).
[4] زاد في (ص): ((هذا)).
[5] في (ص): ((وإذا)).
[6] في (ص): ((قال)).
[7] في (ص): ((الثلاث من الغيرة)).
[8] في (ص): ((ولا)).
[9] في (ص): ((النبي)).
[10] في (ص): ((غيرها)).
[11] في (ص): ((قسمه لأزواجه)).
[12] قوله: ((واليومين)) زيادة من (ص).
[13] في (ص): ((ما)).
[14] قوله: ((النساء)) ليس في (ص).