شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: لا يخلون رجل بامرأة إلا ذو محرم والدخول على المغيبة

          ░111▒ بَاب لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا ذُو مَحْرَمٍ، وَالدُّخُولُ على الْمُغِيبَةِ.
          فيه عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ: (إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ على النِّسَاءِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: الْحَمْوُ الْمَوْتُ). [خ¦5232]
          وفيه ابْنُ عَبَّاسٍ: أنَّ النَّبيَّ صلعم قَالَ: (لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً، وَاكْتُتِبْتُ في غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: فارْجِعْ، فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ). [خ¦5233]
          قال المُهَلَّب: معنى قوله: (الْحَمْوُ الْمَوْتُ) النهي عن أن يدخل على المغيبة صهرٌ ولا غيره خوف الظنون ونزغات الشيطان؛ لأنَّ الحمو قد يكون من غير ذوي(1) المحارم، وإنَّما أباح ◙ أن يخلو مع المرأة من كان ذا محرمٍ منها.
          قال الطبريُّ: ومثل(2) ذلك قال جماعةٌ من الصحابة والتابعين: روِّينا عن عُمَر بن الخطَّاب أنَّه قال: إيَّاكم والمغيبات، ألا فوالله إنَّ الرجل ليدخل على المرأة، فلأن يخرَّ من السماء إلى الأرض أحبُّ إليه(3) من أن يزني، فما يزال الشيطان يخطب أحدهما إلى الآخر حتَّى يجمع بينهما.
          وروِّينا عن عَمْرو بن العاص أنَّه أرسل إلى عليٍّ(4) يستأذنه، وكانت له حاجةٌ عند(5) أسماء، فقيل له: ليس ثَمَّ عليٌّ، ثمَّ أرسل(6) الثانية، فقيل: هو ثمَّ، فلمَّا خرج إليه، قال عَمْرٌو: إنَّ لي إلى أسماء حاجةً فأدخل؟ قال: نعم، قال: وما سألت عن عليٍّ حاجتك إلى أسماء(7)؟! قال: إنَّا نهينا أن نكلمهنَّ إلَّا عند أزواجهنَّ. وقال عَمْرو بن قيس الملائيُّ: ثلاثٌ لا ينبغي للرجل أن يثق بنفسه عند واحدةٍ منهنَّ: لا يجالس أصحاب زيغٍ، فيزيغ قلبه(8) بما زاغ به قلوبهم، ولا يخلون(9) رجلٌ بامرأةٍ، وإن دعاك صاحب سلطانٍ إلى أن تقرأ عليه القرآن فلا تفعل.
          قال الطبريُّ: فلا يجوز أن يخلو رجلٌ بامرأةٍ ليس لها بمحرمٍ في سفرٍ ولا في حضرٍ، إلَّا في حالٍ لا يجد من الخلوة بها بدًّا، وذلك كخلوةٍ بجارية امرأته تخدمه في حال غيبة مولاتها عنهما، وقد رخَّص في ذلك الثوريُّ.
          قال المُهَلَّب: وفيه جواز تبكيت العالم على الجواب إلى المشترك من الأسماء على سبيل الإنكار للمسألة.
          وقال(10) الطبريُّ: الحمو عند العرب كلُّ من كان / من قِبَل الزوج أخًا كان أو أبًا أو عمًّا فهم الأحماء، فأمَّا أمُّ الزوج فكان الأصمعي يقول: هي حماة الرجل، لا يجوز غير ذلك، ولا لغة فيها غيرها، وإنَّما عني بقوله ◙: (الْحَمْوُ الْمَوْتُ)، أن خلوة الحمو بامرأة أخيه أو امرأة ابن أخيه بمنزلة الموت في مكروه خلوته بها، وكذلك تقول العرب إذا وصفوا الشيء يكرَّهونه إلى الموصوف له، قالوا(11): ما هو إلَّا الموت، كقول الفَرزدَق لجريرٍ:
فَإنِّي أنـَا المـوتُ الذي هُـوَ واقِـعٌ                     بنفسِكَ فانظُرْ كَيفَ أَنـتَ مُزَاوِلـُه
          وقال ثعلب: سألت ابن الأعرابيِّ عن قوله: (الْحَمْوُ الْمَوْتُ) فقال: هذه كلمةٌ تقولها العرب مثلًا كما تقول: الأسد الموت، أي: لقاؤه الموت، وكما تقول: السلطان نارٌ، أي: مثل النار، فالمعنى: احذروه كما تحذرون الموت.
          وقال أبو عبيدٍ: معناه: فليمت ولا يفعل ذلك، وهو بعيدٌ، وإنَّما الوجه ما قاله ابن الأعرابيِّ، ومن هذا الباب قوله تعالى: {وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ}[إبراهيم:17]، أي: مثل الموت في الشدَّة والكراهية، ولو أراد نفس الموت لكان قد مات.
          وقال عامر بن فَهِيرة:
لَقَـد وَجـَدتُ المـوتَ قَبلَ دُنُوِّهِ
          وقال الأصمعيُّ: الأحماء من قبل الزوج، والأختان من قبل المرأة، والصهر يجمعهما، والحماة: أمُّ الزوج(12)، والختنة: أمُّ المرأة، وفي الحمو لغاتٌ. قال صاحب «العين»: الحما على مثال قفا(13): أبو الزوج وجميع قرابته، والجمع أحماء تقول: رأيت حماه ومررت بحماها، وتقول في هذه اللغة إذا أفرد: هذا(14) حما، وفيه لغةٌ أخرى حموك مثل أبوك، تقول: هذا حموها، ومررت بحميها ورأيت حماها، فإذا لم تضفه سقطت الواو، فتقول: حمٌ، كما تقول: أبٌ، وفيه لغةٌ أخرى: حمءٌ(15) _بالهمز_ مثل خبءٍ، ودفءٍ، عن الفرَّاء، وحكى الطبريُّ لغةً رابعةً: حمها بترك الهمز.
          وفي حديث ابن عبَّاسٍ إباحة الرجوع عن الجهاد إلى إحجاج امرأته؛ لأنَّ فرضًا عليه سترها وصيانتها، والجهاد في ذلك الوقت كان يقوم به غيره، فلذلك أمره ◙ أن يحجج(16) معها إذ(17) لم يكن لها من يقوم بسترها في سفرها ومبيتها.


[1] في (ص): ((ذي)).
[2] في (ص): ((وبمثل)).
[3] في (ز): ((إليها)) والمثبت من (ص).
[4] زاد في (ص): ((بن أبي طالب)).
[5] في (ص): ((إلى)).
[6] زاد في (ص): ((إليه)).
[7] في (ز): ((وما سألت عن علي قال حاجتك إلى أسماء)) وفي (ص): ((وماء سألت عن علي وما حاجتك إلى أسماء)) والمثبت من التوضيح.
[8] في (ص): ((فيزيغ الله قلبه)).
[9] في (ص): ((يخلو)).
[10] في (ص): ((قال)).
[11] في (ص): ((إلى الموت)).
[12] قوله: ((والأختان من قبل المرأة، والصهر يجمعهما، والحماة: أم الزوج)) ليس في (ص).
[13] في (ز): ((فما)) والمثبت من (ص).
[14] قوله: ((هذا)) ليس في (ص).
[15] صورتها في (ز) و(ص): ((حمؤ)).
[16] في (ص): ((يحج)).
[17] في (ص): ((إذا)).