شرح الجامع الصحيح لابن بطال

بابُ شهادة المرضعة
  
              

          ░23▒ بابُ شَهَادَةِ المُرْضِعَةِ /
          فيهِ عُقْبَةُ(1): (تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً، فَجَاءَتْنَا امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ: أَرْضَعْتُكُمَا، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلعم فَقُلْتُ: تَزَوَّجْتُ فُلانَةَ، فَجَاءَتْنَا امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ لي: قَدْ(2) أَرْضَعْتُكُمَا، وَهِيَ كَاذِبَةٌ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَأَتَيْتُهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ، قُلْتُ(3): إِنَّهَا كَاذِبَةٌ، قَالَ: كَيْفَ بِهَا وَقَدْ زَعَمَتْ أَنَّهَا قَدْ أَرْضَعَتْكُمَا؟ دَعْهَا عَنْكَ). [خ¦5104]
          اختلف العلماء في هذا الباب، فقالت طائفةٌ: يجوز شهادة امرأةٍ واحدةٍ في الرَّضاع إذا كانت مرضيَّةً، وتستحلف مع شهادتها، رُوِيَ ذلك عن ابن عبَّاسٍ وطَاوُسٍ وهو قول الزُّهْرِيِّ والأوزاعيِّ وأحمدَ وإِسْحَاقَ، واحتجُّوا بقوله ◙: (كَيْفَ وَقَدْ قِيْلَ)، ونهيه عنها، وذُكِرَ عن الأوزاعيِّ أنَّه إنَّما(4) أجاز شهادة امرأةٍ واحدةٍ في ذلك إذا شهدت قبل أنْ يتزوَّجها، وأمَّا بعد أنْ يتزوَّجها فلا يجيز(5) شهادتها.
          وقالت طائفةٌ: لا يقبل في ذلك إلَّا رجلان(6) أو رجلٌ وامرأتان، رُوِيَ ذلك عن عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، وهو قول الكوفيِّين، وقال مالكٌ: تُقبل في ذلك(7) شهادة امرأتين دون رجلٍ، وبه قال الحَكَمُ، قال مالكٌ: إذا كان ذلك قد فشا(8) وعُرِفَ مِنْ قولهما، هذه رواية ابنُ القَاسِمِ، وروى عنه ابنُ وَهْبٍ أنَّه تُقبل شهادة امرأتين، وإن لم يفشِ ذلك مِنْ قولهما.
          وقالت(9) طائفةٌ: لا يقبل في ذلك أقلُّ مِنْ أربع نسوةٍ، رُوِيَ ذلك عن عَطَاءٍ والشَّعْبِيِّ، وهو قول الشَّافعيِّ، قال: ولو شهد في ذلك رجلان أو(10) رجلٌ وامرأتان لجاز، وتأوَّل أهل هذه المقالات غير أهل المقالة الأولى أَّن قوله ◙: (كَيْفَ وَقَدْ قِيْلَ)، إنَّما هو على وجه التَّنزُّه والتَّورُّع، لا على الإيجاب، وروى ابنُ مَهْدِيٍّ وحَفْصُ(11) بنُ غِيَاثٍ عن حَذْلَمَ(12) العَبْسِيِّ عن رجلٍ مِنْ بني عَبْسٍ قال: سألت عليًّا وابن عبَّاسٍ عن رجلٍ تزوَّج امرأةً، فجاءت امرأةٌ فزعمت أنَّها أرضعتهما، فقالا: إن(13) يتنزَّه عنها فهو خيرٌ(14)، وأمَّا أنْ يُحَرِّمَها عليه(15) أحدٌ فلا، وقال زَيْدُ بنُ أَسْلَمَ: إنَّ عُمَرَ بن الخَطَّابِ لم يجز شهادة امرأةٍ واحدةٍ في الرَّضاع، وأنَّ النَّبِيَّ صلعم أُخبِرَ عن رضاع امرأةٍ فتبسَّم، وقال: (كَيْفَ وَقَدْ قِيْلَ).

[1] زاد في المطبوع: ((قال)).
[2] في المطبوع: ((لي أنِّي قد))، وفي (ص): ((لقد)).
[3] في (ز): ((فقلت)).
[4] قوله: ((إنَّما)) ليس في (ص).
[5] في (ص): ((تجز)).
[6] في (ص): ((رجل)).
[7] قوله: ((في ذلك)) ليس في (ص).
[8] في (ز): ((قد فشا ذلك)).
[9] في (ز): ((وقد قالت)).
[10] صورتها في (ز): ((أن)).
[11] في (ز): ((عن حفص)).
[12] في (ز): ((وحذلم)).
[13] قوله: ((إن)) ليس في (ز).
[14] زاد في (ز): ((لك)).
[15] في (ز): ((عليك)).