شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: {وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف}

          ░26▒ بَابُ {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأخْتَيْنِ}[النِّساء:23]
          فيهِ أُمُّ حَبِيبَةَ قالت(1): قُلْتُ: (يَا رَسُولَ اللهِ، انْكِحْ أُخْتِي بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ(2): وَتُحِبِّينَ(3)؟(4): قُلْتُ: نَعَمْ، لَسْتُ لَكَ بِمُخْلِيَةٍ، وَأَحَبُّ مَنْ شَرَكَنِي في خَيْرٍ أُخْتِي، قَالَ ◙(5): إِنَّ ذَلِكِ لَا يَحِلُّ لِي، فَلا تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلا أَخَوَاتِكُنَّ). [خ¦5107]
          وأجمع العلماء على أنَّه لا يجوز جمع نكاح الأختين في عقدٍ واحدٍ لقوله ╡: {وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ}[النِّساء:23]، وأنَّ ذلك جمعٌ بينهما، وأنَّ ذلك حرامٌ متَّفقٌ على مراد الله تعالى في الآية، ولقوله ◙: (لا تَعْرِضْنَ عَلَيَّ أخَوَاتِكُنَّ)، فإنَّه لا يجوز الجمع بين الأختين، واختلفوا في / الأختين بملك(6) اليمين، فذهب كافَّةُ العلماء إلى أنَّه لا يجوز الجمعُ بينهما في الملك(7) في الوطء، وإنْ كان يجوز الجمع بينهما في الملك، فإنَّ(8) الوطء في الإماء نظير عقد النِّكاح في الحرائرِ، وشذَّ أهلُ الظَّاهر فقالوا: يجوز الجمع بينهما في الوطء كما يجوز الجمع بينهما في الملك، وقالوا: إنَّ قوله تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ}[النِّساء:23]عائد إلى المنكوحات؛ لأنَّه قَدَّمَ(9) ذكر المحرَّمات بالنِّكاح، ثُمَّ عطف عليهنَّ بذكر الأختين، واحتجُّوا بما رُوِيَ عن عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ أنَّه قال في الأختين بملك(10) اليمين: حرَّمتهما آيةٌ، وأحلَّتهما آيةٌ.
          وذكر الطَّحَاوِيُّ عن عليٍّ وابن عبَّاسٍ مثل قول عُثْمَانَ، والآية الَّتي أحلَّتهما قوله(11): {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ}[النِّساء:24]، ولم يلتفت أحدٌ مِنْ أئمَّة الفتوى إلى هذا القول لأنَّهم فهموا مِنْ تأويل كتاب الله خلافه، ولا يجوز عليهم تحريف التَّأويل، ومِمَّن قال ذلك مِنَ الصَّحابة عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ وعليٌّ بنُ أبي طالبٍ وابنُ مَسْعُودٍ وابنُ عبَّاسٍ وعَمَّارُ بنُ ياسرٍ وابنُ عُمَرَ وعائشةُ وابنُ الزُّبَيْرِ، وقال عليٌّ: لو كان الأمر إليَّ ورأيت أحدًا يفعله جعلته نكالًا، وهؤلاء أهل العلم بكتاب الله والمعرفة بكلام العرب، فَمَنْ خالفهم متعسِّفٌ في التَّأويل متبعٌ غير(12) سبيل المؤمنين.
          وأمَّا قولهم: إنَّ قوله تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ}[النِّساء:23]عائدٌ إلى المنكوحات، فإنَّه لا يمتنع أنْ يكونَ أوَّل الآية خاصًّا وآخرها عامًّا، ألا ترى أنَّ في أوَّل الآيات تحريم الأمَّهات والبنات الَّلواتي لا يستقرُّ الملك عليهنَّ بالشِّراء، وبعد ذلك فيهما ذكر العمَّات والخالات اللَّواتي يستقرُّ الملك عليهنَّ(13)، فكذلك الجمع(14) بين الأختين في النِّكاحِ والوطءِ بالملك.
          وقال(15) الطَّحَاوِيُّ: لمَّا(16) اختلفوا في ذلك نظرنا كيف هو؟ فرأينا الله ╡ قد حرَّم في هذه الآية الأمَّهات والبنات إلى قوله: {وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ}[النِّساء:23]، فكأنَّ هؤلاء جميعًا مُحرَّماتٌ في ملك اليمين كما هنَّ(17) مُحرَّماتٌ في النِّكاح، واختلفوا في الأختين بملك(18) اليمين، فالقياس على ذلك أنْ تكونا محرَّمتين في ملك اليمين، وأنْ يكون حكمهما(19) كحكمهما في النِّكاح، وهذا هو القياس.


[1] قوله: ((قالت)) ليس في (ز).
[2] في (ز): ((فقال)).
[3] في (ص): ((أتحبين)).
[4] زاد في (ز): ((قالت)).
[5] في (ز): ((فقال النَّبِيُّ صلعم)).
[6] في (ز): ((من ملك)).
[7] في (ز): ((بالملك)).
[8] في (ز): ((وإن)).
[9] في (ص): ((قد)).
[10] في (ز): ((من ملك)).
[11] قوله: ((قوله)) ليس في (ز).
[12] في (ز): ((لغير)).
[13] قوله: ((وبعد ذلك فيهما ذكر العمَّات والخالات اللَّواتي يستقرُّ الملك عليهنَّ)) ليس في (ص).
[14] قوله: ((الجمع)) ليس في (ص).
[15] في (ز): ((قال)).
[16] في (ز): ((ولمَّا)).
[17] في (ص): ((هو)).
[18] في (ز): ((من ملك)).
[19] زاد في (ز): ((فيه)).