إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إنه قد أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن

          4795- وبه قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد، ولأبي ذرٍّ: ”حدَّثنا“ (زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى) بنِ صالحٍ البَلْخيُّ الحافظ قال: (حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ) حمَّاد بن أسامةَ (عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ) عروة بن الزبير (عَنْ عَائِشَةَ ♦ ) أنَّها (قَالَتْ: خَرَجَتْ سَوْدَةُ) بنت زَمْعَة أمُّ المؤمنين ♦ (بَعْدَ مَا ضُرِبَ الحِجَابُ لِحَاجَتِهَا) بضمِّ الضاد المعجمة مبنيًّا للمفعول (وَكَانَتِ امْرَأَةً جَسِيمَةً لَا تَخْفَى عَلَى مَنْ يَعْرِفُهَا، فَرَآهَا عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ) ☺ (فَقَالَ: يَا سَوْدَةُ، أَمَا) بفتح الهمزة وتخفيف الميم وبعدها ألفٌ، حرف استفتاح، ولأبي ذرٍّ: ”أم“ بحذف الألف (وَاللهِ مَا تَخْفَيْنَ عَلَيْنَا، فَانْظُرِي كَيْفَ تَخْرُجِينَ) ولعلَّه قصد المبالغة في احتجاب أمَّهات المؤمنين؛ بحيث لا يُبدين أشخاصهنَّ أصلًا، ولو كُنَّ مستتراتٍ (قَالَتْ(1): فَانْكَفَأَتْ) بالهمزة؛ أي(2): انقلبت حال كونها (رَاجِعَةً وَرَسُولُ اللهِ صلعم فِي بَيْتِي، وَإِنَّهُ) بالواو، ولأبي ذرٍّ: ”فإنَّه“ (لَيَتَعَشَّى، وَفِي يَدِهِ) ولأبوي ذرٍّ والوقت: ”في يده“ بإسقاط الواو (عَرْقٌ) بفتح العين وسكون الراء ثم قاف؛ العظم الذي عليه اللحم (فَدَخَلَتْ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ إِنِّي خَرَجْتُ لِبَعْضِ حَاجَتِي، فَقَالَ لِي عُمَرُ كَذَا وَكَذَا، قَالَتْ) أي: عائشةُ: (فَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ) ولأبي ذرٍّ: ”فأُوحي إليه“ بضمِّ الهمزة مبنيًّا للمفعول (ثُمَّ رُفِعَ عَنْهُ) ما كان فيه من الشِّدَّة بسبب نزول الوحي (وَإِنَّ العَرْقَ) بفتح العين وسكون الراء (فِي يَدِهِ مَا وَضَعَهُ) والجملة حاليَّةٌ (فَقَالَ: إِنَّهُ) أي: إنَّ الشأن (قَدْ أُذِنَ) بضمِّ الهمزة مبنيًّا للمفعول (لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ) دفعًا للمشقَّة ورفعًا للحَرَج، وفيه تنبيهٌ على أنَّ المراد بالحجاب التستُّر(3)، حتى لا يبدو‼ من جسدهنَّ شيءٌ، لا حجب أشخاصهنَّ في البيوت، والمراد بالحاجة البراز، كما وقع في «الوضوء» [خ¦147] من تفسير هشام بن عروة، وقال الكِرمانيُّ _وتبعه البِرماويُّ_: فإن قلتَ: قال ههنا(4): إنَّه كان بعد ما ضُرب الحجاب، وقال في «كتاب الوضوء» في «باب خروج النساء إلى البراز» [خ¦146] إنَّه قبل الحجاب، قلتُ: لعلَّه وقع مرَّتين. انتهى. ومراده: أنَّ خروج سودة للبراز وقول عمر لها ما ذُكِر وقع مرَّتين، لا وقوع الحجاب، وقول الحافظ ابن حجر _عقب جواب الكِرمانيِّ_ قلت: بل المراد بالحجاب الأوَّل غير الحجاب الثاني _وذكره العينيُّ وأقرَّه_ فيه نظرٌ؛ إذ ليس في الحديث ما يدلُّ لذلك، بل ولا أعلم أحدًا قال بتعدُّد الحجاب، نعم، يَحتملُ أن يكون مرادُه الحجاب الثاني بالنظر لإرادة عمر ☺ أن يحتجبن في البيوت فلا(5) يبدين أشخاصهنَّ، فوقع الإذن لهنَّ في الخروج لحاجتهنَّ دفعًا للمشقَّة، كما صرَّح هو به في «الفتح»، وليس المراد نزول الحجاب مرَّتين / على نوعين، وأمَّا قوله أيضًا: تقدَّم في «كتاب الطهارة» من طريق هشام بن عروة عن أبيه ما يخالف ظاهر رواية الزهريِّ هذه عن عروة؛ يعني: رواية هذا الباب؛ فليس كذلك؛ فإنَّ رواية هذا الباب إنَّما هي من طريق هشام بن عروة عن أبيه والسابقة المصرحة بالقبلية من طريق الزهري عن عروة [خ¦146] فلعلَّه سبق قلم.
          ومطابقةُ الحديث للترجمة في قوله: بعد ما ضُرب الحجاب.


[1] في (د): «قال».
[2] «أي»: ليس في (د).
[3] في (د): «الستر».
[4] في (م): «هنا».
[5] في (د): «ولا».