إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب قوله:{ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء}

          ░7▒ (بَابُ قَوْلِهِ) ╡: ({تُرْجِي}): تؤخِّر ({مَن تَشَاء مِنْهُنَّ}) من الواهبات ({وَتُؤْوِي}) وتضمُّ ({إِلَيْكَ مَن تَشَاء}) منهن ({وَمَنِ ابْتَغَيْتَ}) ومن طلبت ({مِمَّنْ عَزَلْتَ}) رددتَ منهن(1) فيه بالخيار، إن شئتَ عُدتَ فيه فآويته ({فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ}[الأحزاب:51]) في شيءٍ من ذلك، قال عامر الشَّعبيُّ: كنَّ نساءً وَهَبن أنفسهنَّ له صلعم ، فدخل ببعضٍ وأرجأ بعضًا، منهنَّ أمُّ شريك، وهذا شاذٌّ، والمحفوظ أنَّه لم يدخل بأحدٍ مِنَ الواهبات، كما سيأتي قريبًا في هذا الباب إن شاء الله تعالى، أو المراد بالإرجاء والإيواء القَسْم وعدمه لأزواجه، أي: إن شئتَ تَقْسِم لهنَّ / أو لبعضهنَّ، وتقدِّم من شئت وتؤخِّر من شئت، وتُجامعُ مَن شئت وتتركُ من شئت، كذا روي عن ابن عبَّاس ومجاهد والحسن وقَتادة وغيرهم؛ وذلك لأنَّه صلعم بالنسبة(2) إلى أمَّته نسبة السِّيد المطاع‼ إلى عبده، ومن ثَمَّ قال جماعةٌ مِنَ الفقهاء مِنَ الشافعية وغيرهم: لم يكن القَسْمُ واجبًا عليه صلوات الله وسلامه عليه، وقد قال أبو رَزِين وابن زيد: نزلت هذه(3) الآية عقب آية التخيير، ففوَّض الله تعالى أمرهنَّ إليه، يفعل فيهنَّ ما يشاء من قَسْمٍ وتفضيل بعضٍ في النفقة وغيرها، فرضِينَ بذلك واخترنه على هذا الشرط ╢ ، ومع ذلك قَسَمَ لهنَّ صلعم اختيارًا منه لا(4) على سبيل الوجوب، وسوَّى بينهن وعدل فيهنَّ كذلك، وحديث الباب الأوَّل يقتضي أنَّ الآية نزلت في الواهبات، والثاني في أزواجه، واختار(5) ابنُ جريرٍ أنَّ الآية عامَّةٌ في الواهبات واللاتي عندَه، وهو اختيارٌ حسنٌ جامعٌ للأحاديث.
          (قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ) فيما وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه: ({تُرْجِي}) أي: (تُؤَخِّرُ) وقوله: (أَرْجِئْهُ)(6) في الأعراف →الآية:111← والشعراء →الآية:36← أي: (أَخِّرْهُ) وذكره استطرادًا، وهو من تفسير ابن عبَّاس فيما رواه ابن أبي حاتم.


[1] في غير (ص) و(م): «أنت منهن».
[2] لعلَّ الأولى: «نسبته».
[3] «هذه»: مثبتٌ من (م).
[4] «لا»: ليست في (م).
[5] في (د): «وأجاز».
[6] في (ب) و(س): «أرجه». قال الشيخ السفرجلاني ☼ : قوله: «أرجه» ضبط في الأصل المطبوع بسكون الهاء كما في التلاوة، إلا أنَّ المناسب في تفسير البخاري ما ضبطناه وبه قرئ.