إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر

          4790- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ) هو ابن مُسرهَدٍ (عَنْ يَحْيَى) هو ابن سعيدٍ القطَّان، ولأبي ذرٍّ: ”حدَّثنا يحيى“ (عَنْ حُمَيْدٍ) الطويلِ (عَنْ أَنَسٍ) ☺ أنَّه (قَالَ: قَالَ عُمَرُ) بنُ الخطَّاب ( ☺ : قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ يَدْخُلُ عَلَيْكَ) في بيوتك (البَرُّ وَالفَاجِرُ) هو الفاسق، وهو مقابل البَرِّ (فَلَوْ أَمَرْتَ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ بِالحِجَابِ، فَأَنْزَلَ اللهُ) تعالى (آيَةَ الحِجَابِ) وهذا طرفٌ مِن حديثٍ ذكره في «باب ما جاء في القبلة» من «كتاب الصلاة» [خ¦402] و«سورة البقرة» [خ¦4483] أوله: وافقت ربي في ثلاث... وقد تحصَّلَ من جملة الأخبار لعمر مِنَ الموافقات خمسة عشر؛ تسع لفظيات، وأربع معنويات واثنتان في التوراة؛ فأمَّا اللفظيات: فمقام إبراهيم حيث قال: يا رسول الله؛ لو اتخذت من مقام إبراهيمَ مصلَّى، فنزلت، والحجاب، وأُسارى بدر حيث شاوره صلعم فيهم، فقال: يا رسول الله؛ هؤلاء أئمَّة الكفر، فاضرب أعناقَهُم، فهوي رسول الله(1) صلعم ما قاله الصِّدِّيق من إطلاقهم وأخذ الفداء، فنزلت: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى}[الأنفال:67] رواه مسلمٌ وغيرُه، وقوله لأمهات المؤمنين: لتكفُفن‼ عن رسول الله صلعم أو ليبدلنَّه(2) اللهُ أزواجًا خيرًا منكنَّ، فنزلت(3)، أخرجه أبو حاتم وغيره، وقوله لمَّا اعتزل ╕ نساءه في المشربة: يا رسول الله؛ إن كنت طلقت نساءك؛ فالله(4) معك وجبريل وأنا وأبو بكر والمؤمنون، فأنزل الله، {وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ} الاية[التحريم:4] وأَخذُه بثوب النبيِّ صلعم لمَّا قام يصلِّي على عبد الله بن أبيٍّ، ومَنعُه مِن الصلاة عليه، فأنزل الله: {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا}[التوبة:84] أخرجاه [خ¦1269] ولمَّا نزل: { إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ}[التوبة:80] قال ╕ : «فلأزيدنَّ على السبعين»، فأخذ في الاستغفار لهم، فقال عمر: يا رسول الله؛ والله لا يغفر الله لهم أبدًا، أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم، فنزلت: {سَوَاء عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ}(5)[المنافقون:6] خرَّجه(6) في «الفضائل» ولمَّا نزل قولُه تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ}... إلى قوله: { أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ}[المؤمنون:12-14] قال عمر: تبارك الله أحسنُ الخالقين فنزلت(7)، رواه الواحدي في «أسباب النزول»، وفي رواية: فقال النبيُّ صلعم : تزيد في القرآن يا عمر؟ فنزل جبريل بها وقال: إنَّها تمام الآية، خرجها السجاوندي في «تفسيره»، ولمَّا استشاره ╕ في عائشة حين قال لها أهل الإفك ما قالوا؛ فقال عمر: يا رسول الله؛ مَن زوَّجَكَها؟ قال: اللهُ تعالى، قال: أفتظُنُّ أنَّ ربَّك دلَّس عليك فيها؟ {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ}[النور:16] فأنزلها(8) الله تعالى، ذكره صاحب «الرياض» عن رجل من الأنصار.
          وأمَّا المعنويات؛ فروى السَّمَّان(9) في «الموافقة»: أنَّ عمر قال لليهود: أنشدكم بالله، هل تجدون وصف محمَّد صلعم في كتابكم؟ قالوا: نعم، قال: فما يمنعكم مِن اتباعه؟ قالوا: إنَّ الله لم يبعث رسولًا إلَّا كان / له من الملائكة كفيل، وإنَّ جبريل هو الذي يكفل محمَّدًا، وهو عدوُّنا من الملائكة، وميكائيل سِلْمنا، فلو كان هو الذي يأتيه لاتبعناه، قال عمر: فإنِّي أشهد أنه ما كان ميكائيلُ لِيُعادِيَ سِلْم جبريلَ، وما كان جبريلُ ليُسالِمَ(10) عدوَّ ميكائيلَ، فنزل: {قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ}... إلى قوله: { عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ}[البقرة:97-98].
          وعند القلعيِّ: أنَّ عمر كان حريصًا على تحريم الخمر، وكان يقول: اللَّهمَّ بيِّن لنا في الخمر؛ فإنَّها تُذهب المال والعقل، فنزل: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ}[البقرة:219] الآيةَ، فتلاها عليه(11) ╕ ، فلم ير فيها بيانًا، فقال: اللَّهمَّ بيِّن لنا فيها بيانًا شافيًا، فنزل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى}[النساء:43] فتلاها عليه(12) ╕ ، فلم يَرَ فيها بيانًا شافيًا، فقال: اللَّهمَّ بيِّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا(13)، فنزل: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ}[المائدة:90] الآيةَ، فتلاها عليه النبيُّ(14) ╕ ، فقال‼ عمر عند ذلك: انتهينا يا رب، انتهينا، وذكر الواحديُّ أنَّها نزلت في عمر ومعاذ ونفر مِنَ الأنصار.
          وعن ابن عبَّاسٍ: أنَّه صلعم أرسل غلامًا مِنَ الأنصار إلى عمر بن الخطاب وقتَ الظهيرة ليدعوه، فدخل فرأى عمر على حالةٍ كَرِهَ عُمَرُ رؤيتَه عليها، فقال: يا رسول الله؛ وددت لو أنَّ الله أمرنا ونهانا في حال(15) الاستئذان، فنزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}[النور:58] الآيةَ، رواه أبو الفرج وصاحب «الفضائل»، وقال بعد قوله: فدخل عليه: وكان نائمًا وقد انكشف بعضُ جسده، فقال: اللَّهمَّ حرِّم الدُخول علينا في وقت نومنا، فنزلت.
          ولمَّا نزل قوله تعالى: {ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ. وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ}[الواقعة:13-14] بكى عمر وقال: يا رسول الله، وقليل من الآخرين؟! آمنا برسول الله صلعم وصدَّقناه ومَن ينجو منَّا قليلٌ؟! فأنزل الله تعالى: {ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ. وَثُلَّةٌ مِّنَ الْآخِرِينَ}[الواقعة:39-40] فدعاه رسول الله صلعم ، وقال: قد أنزل الله فيما قلت.
          وأمَّا موافقته لما في التوراة؛ فعن طارق بن شهاب: جاء رجلٌ يهوديٌّ إلى عمر بن الخطاب، فقال: أرأيت قوله تعالى: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}[آل عمران:133] فأين النار؟ فقال لأصحاب النبي صلعم : أجيبوه، فلم يكن عندهم منها شيءٌ، فقال عمر: أرأيت النهار إذا جاء، أليس يملأ السموات والأرض؟ قال: بلى. قال: فأين الليل؟ قال: حيث شاء الله ╡، قال عمر: فالنار حيث شاء الله ╡، قال اليهودي: والذي نفسك بيده يا أمير المؤمنين؛ إنَّها لفي كتاب الله المنزل كما قلت، خرَّجه الخِلَعِيُّ والسَّمَّان(16) في «الموافقة».
          وروي: أنَّ كعب الأحبار قال يومًا عند عمر بن الخطاب: ويلٌ لمَلِكِ الأرض مِن مَلِكِ السماء، فقال عمر: إلَّا مَن حاسب نفسَه، فقال كعب: والذي نفسي(17) بيده؛ إنَّها لتابعتُها في كتاب الله ╡، فخَرَّ عمر ساجدًا لله. انتهى. ملخصًا من مناقب عمر من «الرياض».
          وزاد بعضهم آية الصيام في حِل الرفث، و{نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ}[البقرة:223] و{لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}[النساء:65] إذ أفتى بقتل ونسخ الرسم لآية قد نزلت في الرجم وفي الأذان(18).


[1] «رسول الله»: ليس في (ب) و(د) و(م).
[2] في (ل): «أو ليبدلهنَّ».
[3] زيد في (ب): «و».
[4] في (س): «فإن الله ╡».
[5] قوله: «فنزلت: {سَوَاء عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ}»، سقط من (م).
[6] في (م): «أخرجه».
[7] «فنزلت»: مثبت من (م).
[8] في (ص): «فأنزل».
[9] في الأصول: «بن السمان» والتصويب من مصادر الترجمة.
[10] في (م): «لسالم».
[11] «عليه»: ليس في (د) و(م).
[12] «عليه»: ليست في (د) و(م).
[13] «فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانًا شافيًا»: سقط من (د).
[14] «النبيُّ»: زيد من (د) و(م).
[15] في (د): «حالة».
[16] في الأصول: «بن السمان» والتصحيح من مصادر الترجمة.
[17] في (د): «نفس عمر».
[18] قوله: «وزاد بعضهم آية الصيام، ... ونسخ الرسم لآية قد نزلت في الرجم وفي الأذان»، سقط من (د).