إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب:{يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة}

          ░4▒ هذا (بَابٌ) بالتَّنوين يُذكَر فيه (قَوْلُهُ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا}) السَّعَة والتَّنعمَ(1) فيها، وذلك أنَّهُنَّ سألنَهُ مِن عَرَضِ الدنيا، وطلبْنَ منه زيادةً في النفقة، وآذينَهُ بِغَيرةِ بعضِهِنَّ ({وَزِينَتَهَا}) أي: زخارِفَها(2) ({فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ}) مِتعةَ الطلاق ({وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا}[الأحزاب:28])‼ أطلقْكُنَّ طلاقَ السُّنَّة مِن غير إضرارٍ، وفي قوله تعالى: { فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ} إشعارٌ بأنَّها لو اختارتْ واحدةٌ الفِراق لا يكونُ طلاقًا، وقوله: { أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ} جُزِمَ جوابَ الشرط، وما بين الشرط وجزائه(3) معترضٌ، ولا يضرُّ دخولُ الفاء على جملة الاعتراض، أو الجوابُ قولُه: {فَتَعَالَيْنَ} و{أُمَتِّعْكُنَّ} جوابٌ لهذا الأمر، وسقط لأبي ذرٍّ «{وَأُسَرِّحْكُنَّ}...» إلى آخره، وقال بعدَ: { أُمَتِّعْكُنَّ}: ”الآيةَ“.
          (وَقَالَ مَعْمَرٌ) بفتح الميمين وسكون العين المهملة بينهما، ابنُ المثنَّى، أبو عبد الله التيميُّ، مولاهم البصريُّ النَّحويُّ، قال الحافظ ابن حجر: وتوهَّم مغلطاي ومَن قلَّده أنَّه معمرُ بنُ راشدٍ، فنسب هذا إلى تخريج عبد الرزاق في «تفسيره» عن مَعْمَرٍ، ولا وجودَ لذلك في كتاب عبد الرزاق، وإنَّما أخرج عن مَعْمَرٍ عن ابن أبي نَجيح عن مجاهد في هذه الآية، قال: كانت المرأة تخرج تتمشى بين الرجال؛ فذلك تبرج الجاهلية. انتهى. وتعقَّبه العينيُّ فقال: لم يقل مغلطاي: ابن راشد، وإنَّما قال: هذا رواه عبد الرزاق عن مَعْمَر، ولم يقل أيضًا: «في تفسيره» حتى يشنِّع عليه بأنَّه لم يوجد في «تفسيره»، وعبد الرزاق له تآليفُ أُخَر غير «تفسيره»، وحيث أطلق مَعْمَرًا يَحتملُ أحد المَعمَرين. انتهى. وأجاب الحافظ ابن حجر في كتابه «الانتقاض» فقال: هذا اعتذارٌ واهٍ(4)؛ فإنَّ عبد الرزاق لا رواية له عن مَعْمَر بن المثنَّى، وتآليف عبد الرزاق ليس فيها شيءٌ يشرح الألفاظ إلَّا «التفسير»، وهذا «تفسيره» موجودٌ ليس فيه هذا. انتهى. وسقط «وقال معمر» لغير أبي ذرٍّ.
          (التَّبَرُّجُ) في قوله تعالى: {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى}[الأحزاب:33] هو (أَنْ تُخْرِجَ) المرأةُ (مَحَاسِنَهَا) للرجال، وقال مجاهدٌ وقَتادة: التبرُّجُ: التَّكسُّرُ والتغنُّج، وقيل: التبختُر، و{ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ} مصدرٌ تشبيهيٌّ، أي: مثلَ تبرُّجِ، والجاهليَّة الأُولى ما بين آدمَ ونوحٍ، أو الزمان الذي وُلد فيه الخليلُ إبراهيمُ، كانت المرأة تلبس دِرعًا مِنَ اللؤلؤ، فتمشي وسط الطريق تعرِض نفسَها على الرجال، أو ما بين نوحٍ وإدريسَ، وكانت ألفَ سنةٍ، والجاهلية الأُخرى ما بين عيسى ونبيِّنا صلعم ، وقيل: الجاهليةُ الأُولى جاهليَّة الكفر قبل الإسلام، والجاهليةُ الأخرى جاهليةُ الفُسوق في الإسلام.
          ({سُنَّةَ اللهِ}) في قوله تعالى: {سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ}[الأحزاب:38] أي: (اسْتَنَّهَا: جَعَلَهَا) قاله أبو عُبيدةَ، وقال: جعلها سنَّة(5). انتهى. والمعنى: أنَّ سنَّة الله في الأنبياء الماضين ألَّا يؤاخذَهم بما أحلَّ لهم، وقال الكلبيُّ ومقاتل: أراد داود حين جمع بينه وبين تلك المرأة / ، وكذلك محمَّد صلعم وزينب.


[1] في (د): «والتنعيم».
[2] في (م): «زخرفها».
[3] في (د): «وجوابه».
[4] في غير (ب) و(س): «واهي».
[5] في (د): «مسنونة».