الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب الطيب بعد رمي الجمار والحلق قبل الإفاضة

          ░143▒ (باب: الطِّيب بعد رمي الجمار والحلق قَبْل الإفاضة)
          قال الحافظ: مطابقة الحديث بالتَّرجمة مِنْ جهة أنَّه صلعم لمَّا أفاض مِنْ مزدلفة لم تكن عائشة مسايرته، وقد ثبت أنَّه استمرَّ راكبًا إلى أنْ رمى جمرة العقبة، فدلَّ ذلك على أنَّ تطييبها له وقع بعد الرَّمي، وأمَّا الحلق قبل الإفاضة فلأنَّه صلعم حلق رأسه بمنًى لمَّا رجع مِنَ الرَّمي، وأخذه مِنْ حديث الباب مِنْ جهة التَّطيُّب، فإنَّه لا يقع إلَّا بعد التَّحلُّل، والتَّحلُّل الأوَّل يقع بأمرين مِنْ ثلاثة: الرَّمي والحلق والطَّواف، فلولا أنَّه حَلَق بعد أنْ رَمَى لم يتطيَّب. انتهى.
          قلت: هكذا قال الحافظ، وتبعه العلَّامة القَسْطَلَّانِيُّ، وهو مبنيٌّ على أنَّه جعل قوله: (والحلق قَبْل الإفاضة) جزءًا مستقلًّا، والمعنى: أنَّ الحلق يكون قَبْل طواف الإفاضة، فعلى هذا تكون التَّرجمة مشتملة على جزأين:
          الأوَّل: كون الطِّيب بعد الرَّمي.
          والثَّاني: كون الحلق قَبْل طواف الإفاضة.
          ولمَّا لم يكن الحديث الَّذِي أخرجه المصنِّف في الباب مطابقًا للجزء الثَّاني مِنَ التَّرجمة احتاج الحافظ قُدِّس سرُّه لإثباته إلى التَّوجيه، كما ترى.
          والظَّاهر أنَّ قوله: (والحلق) معطوف على الرَّمي، والغرض مِنَ التَّرجمة بيان أنَّ التَّطيُّب يكون بعد الرَّمي والحلق كليهما، وقَبْل طواف الإفاضة، وثبوته بحديث الباب ظاهر، كما لا يخفى، هكذا أفاده العزيز مولانا الحاجُّ إنعام الحسن رئيس التَّبليغ والدَّعوة، ثمَّ رأيت العلَّامة العينيَّ اختار هذا المعنى، فعلى هذا مسألة الباب أعني حِلَّ الطِّيب بعد الرَّمي والحلق موافقٌ لمذهب الجمهور خلافًا لمالك، وأمَّا على رأي الحافظ، أعني: حِلَّ الطِّيب بعد الرَّمي فقط فلا يوافق أحدًا مِنَ الأئمَّة الأربعة على الرَّاجح عندهم، وذلك لأنَّهم اختلفوا في التَّحلُّل الأصغر بماذا يحصل؟
          فعند مالكٍ التَّحلُّلُ الأصغر يحصل بالرَّمي فقط، وبالحلق بعد الرَّمي عند الحنفيَّة، وهما قولان للشَّافعيِّ وأحمد، ومختار فروعهما كما في «الرَّوض المربِع» و «المناسك» للنَّوويِّ: أنَّه يحصل بالاثنين مِنَ الرَّمي والحلق والإفاضة، فأيُّ اثنين منها أتى بهما حصل التَّحلُّل الأصغر، ويحصل التَّحلُّل الثَّاني بعمل الباقي مِنَ الثَّلاثة، وقد تقدَّم / أنَّ الطيب داخل في التَّحلُّل الأصغر عند الأئمَّة الثَّلاثة دون المالكيَّة، وكذا الصَّيد غير داخل فيه عند المالكيَّة، فهذا هو تحقيق المذاهب إن شاء الله، كما بسط في «الأوجز» في عدَّة مواضع مِنْ كتب فروعهم.