الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

كتاب الجزية

          ░58▒ <كتاب الجزية>
          ░1▒ (باب: الجِزيَة والمُوادَعَة مَعَ أهْلِ الذِّمَّة والحَرْب) (1)
          كذا في «نسخة العينيِّ»، وهكذا في «هامش النُّسخة الهنديَّة» وفي «نسخة القَسْطَلَّانيِّ» و«الفتح»: <باب> بدل <كتاب>، قال الحافظ: كذا للأكثر، ووقع عند ابن بطَّالٍ وأبي نُعيم: <كتاب الجزية>، ووقع لجميعهم البسملة أوَّله سِوى أبي ذرٍّ. انتهى.
          قوله: (الجِزية والموادعة...) إلى آخره، فيه لفٌّ ونشر مرتَّب، لأنَّ الجِزية مع أهل الذِّمَّة، والموادعة مع أهل الحرب، والجِزية_بكسر الجيم_: مِنْ جَزَأْتُ الشَّيء إذا قسمتَه ثمَّ سُهِّلت الهمزة، وقيل: مِنَ الجزاء، أي: لأنَّها جزاء تركهم ببلاد الإسلام، أو مِنَ الإجزاء، لأنَّها تكفي مَنْ توزَّع(2) عليه في عصمة دمه، والموادعة: المتاركة، والمراد بها متاركة أهل الحرب مدَّة معيَّنة لمصلحة.
          والجزية في الاصطلاح: مال مأخوذ مِنْ أهل الذِّمَّة لإسكاننا إيَّاهم في دارنا، ولحقن دمائهم وذراريِّهم وأموالهم، أو لكفِّنا عن قتالهم، قال العلماء: الحكمة في وضعها أنَّ الذُّلَّ الَّذِي يلحقهم يحملهم على الدُّخول في الإسلام مع ما في مخالطة المسلمين مِنَ الاطِّلاع على محاسن الإسلام.
          وفي «الدُّرِّ المختار» وهي أي: الجزية ليست رضًا منَّا بكفرهم كما طعن الملحدة، بل إنَّما هي عقوبة لهم على إقامتهم على الكفر، فإذا جاز إمهالهم للاستدعاء إلى الإيمان بدونها فبها أَولى، قال ابن عابدين: ولأنَّها دعوة إلى الإسلام بأحسن الجهات، وهو أن يسكن بين المسلمين فيرى محاسن الإسلام، فيسلم مع دفع شرِّه في الحال. انتهى.
          واختُلف في سَنة مشروعيَّتها، فقيل: في سنة ثمانٍ، وقيل: في سنة تسع.
          قوله: (وقول الله ╡...) إلى آخره، هذه الآية هي الأصل في مشروعيَّة الجزية، ودلَّ منطوق الآية على مشروعيَّتها مع أهل الكتاب، ومفهومها أنَّ غيرهم لا يشاركهم فيها. انتهى مِنَ «الفتح».
          بزيادة مِنَ القَسْطَلَّانيِّ.
          وبسط الكلام على الجزية في «الأوجز»، وذُكر فيه أبحاثٌ(3) كثيرة عديدة في هذه المسألة، وفيه عن «البداية»: الكلام المحيط بأصول هذا الفصل ينحصر في ستِّ مسائلَ:
          الأولى: ممَّن يجوز أخذ الجزية؟
          الثَّانية: على أيِّ أصناف(4) منهم تجب؟
          الثَّالثة: كم تجب؟
          الرَّابعة: متى تجب ومتى تسقط؟
          الخامسة: كم أصناف الجزية؟
          السَّادسة: في ماذا يُصرف مال الجزية؟
          ثم بسط في الكلام على هذه المسائل.
          قوله: (يعني: أذلَّاء) قال الحافظ: هو تفسير {وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التَّوبة:29] ، قال أبو عبيدة في «المجاز»: الصَّاغر: الذَّليل الحقير.
          قوله: (والمسْكَنَة: مصدَرُ المِسْكِين...) إلى آخره، هذا الكلام ثبت في كلام أبي عبيدة في «المجاز»، والقائل: ولم يذْهَب إلَى السُّكُون؛ قيل: هو الفَرَبْريُّ الرَّاوي عن البخاريِّ، أراد أن ينبِّه على أنَّ قول البخاريِّ: (أَسْكَن) مِنَ المسْكَنَة لا مِنَ السُّكُون، وإن كان أصلُ المادَّة واحدًا، ووجهُ ذكر المسْكنة هنا أنَّه لمَّا فسَّر الصَّغار بالذِّلَّة وجاء في وصف أهل الكتاب أنَّهم: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ} [البقرة:61] ناسب ذِكرَ المسْكَنَة / عند ذِكْر الذِّلَّة.
          قوله: (وما جاء في أخذ الجزية...) إلى آخره هذه بقيَّة التَّرجمة، أمَّا اليهود والنَّصارى فهم المراد بأهل الكتاب بالاتِّفاق، وأمَّا المجوس فقد ذكر مستنده في الباب، وفرَّق الحنفيَّة وقالوا: تُؤخذ مِنْ مجُوس العَجَم دون مَجُوسِ العَرَب، وحكى الطَّحاوي عنهم: تُقبل الجزية مِنْ أهل الكتاب ومِنْ جميع كفَّار العَجَم، ولا يُقبل مِنْ مُشْرِكي العرب إلَّا الإسلام أو السَّيف، وعن مالك: تُقبل مِنْ جميع الكفَّار إلَّا مَنِ ارتدَّ... وحكى ابن عبدِ البرِّ الاتِّفاق على قَبُولها مِنَ المجوس، لكن حكى ابن التِّين عن عبد الملك: أنَّها لا تُقبل [إلَّا] مِنَ اليهود والنَّصارى فقط... وقال الشَّافعيُّ: تُقبل مِنْ أهل الكتاب عربًا كانوا أو عجمًا، ويَلْتَحِق بهم المجُوس في ذلك، واحتجَّ بالآية المذكورة فإنَّ مفْهُومَها أنَّها لا تُقبل مِنْ غير أهل الكتاب، وقد أخَذَها النَّبيُّ صلعم مِنَ المجوس، فدلَّ على إلحاقهم بهم واقتصر عليه... واحتجَّ غيره بعموم قوله في حديث بُرَيْدة وغيره: ((فإذا لقِيتَ عَدُوَّك مِنَ المشركين فَادْعُهُم إلى الإسْلَام، فإِنْ أجَابُوا وإلَّا فالجزية))، واحتجُّوا أيضًا بأنَّ أخْذَها مِنَ المجوس يدلُّ على ترك مفهوم الآية، فلمَّا انتفى تخصيص أهل الكتاب بذلك دلَّ على ألَّا مفهوم لقوله: {مِنْ(5) أَهْلِ الكِتَابِ}، وأجيب بأنَّ المجوس كان لهم كتاب، ثمَّ رُفع. انتهى.
          وقالَ القَسْطَلَّانيُّ: تحت قول البخاريِّ: (والمجُوس والعَجَم) وهذا قول أبي حنيفة: تُؤْخذ الجِزية مِنْ جَمِيع الأَعَاجم سواء كانوا أهل الكتاب أو مِنَ المشركين، وعند الشَّافعيِّ وأحمد: لا تؤخذ إلَّا ممَّن له كتاب أو شُبهة كتاب، فلا تؤخذ مِنْ عَبَدَة الأوثان والشَّمس والقمر ومَنْ في معناهم، ولا مِنَ المرتد، لأنَّ الله تعالى أمر بقتل جميع المشركين إلى أن يسلموا بقوله: {اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التَّوبة:5] الآية السَّابقة، وعن مَالك: تُقْبَل مِنْ جَمِيع الكُفَّار إلَّا مَنِ ارتدَّ. انتهى مختصرًا.
          وذكر الحافظ الكلام على أنَّ المجُوس هم أهل كتاب أم لا؟ وبسط الكلام عليه أيضًا في «الأوجز»، فارجع إليه لو اشتقت.
          وقال أيضًا: قالَ ابن المنيِّر: وليس في أحاديث الباب ما يوافق الموادعة_الجزء الثَّاني مِنَ التَّرجمة_ إلَّا الحديث الأخير في تأخير النُّعْمان بن مُقَرِّنٍ القتال، وانتظاره زوال الشمس، ثمَّ تعقب عليه الحافظ، كما في «الفتح».
          قوله: (ما شأن أهل الشَّام عليهم أربعة دنانير...) إلى آخره، كتب الشَّيخ في «اللَّامع»: فكان ثمانية وأربعين درهمًا كما هو عند الحنفيَّة، وكان وضع الدِّينار على كلِّ فقير وغنيٍّ مِنْ أهل اليمن مِنْ دون تفرقة بينهما لأجل المصالحة على ذلك. انتهى.
          قلت: وهي المسألة الثَّالثة مِنْ ستِّ مسائل المشار إليها سابقًا.
          وفي «هامش اللَّامع»: أخرج مالك في «موطَّئه» أنَّ عمر ☺ ضرب الجزية على أهل الذَّهب أربعة دنانير، وعلى أهل الورِق أربعين درهمًا، قالَ الزُّرْقانيُّ: وإليه ذهب مالك، فلا يُزاد عليه ولا يُنقص إلَّا مَنْ يضعُف عن ذلك، فيخفَّف عنه بقدر ما يراه الإمام، وقال الشَّافعيُّ: أقلُّها دينار ولا حدَّ لأكثرها، وقال أبو حنيفة وأحمد: أقلُّها على الفقراء اثنا عشر درهمًا، وعلى الأوساط أربعة وعشرون درهمًا أو ديناران، وعلى الأغنياء ثمانية وأربعون درهمًا أو أربعة دنانير... إلى آخر ما بسط في «الأوجز» مِنَ الأقوال والدَّلائل في ذلك.
          وفيه أيضًا: والأصل في ذلك أنَّ الجزية على نوعين: جزية صلحٍ وجزية جبرٍ.
          أمَّا الأولى: فعلى ما يتصالحون.
          وأما الثَّانية: فعلى التَّفصيل المذكور قبل(6)، وإليه أشار الشَّيخ قُدِّس سرُّه بقوله: وكان وضع الدِّينار على كلِّ فقيرٍ وغنيٍّ مِنْ دون تفرقة بينهما... إلى آخره.


[1] قوله: ((باب الجِزيَة والمُوادَعَة مَعَ أهْلِ الذِّمَّة والحَرْب)) ليس في (المطبوع).
[2] في (المطبوع): ((توضع)).
[3] في (المطبوع): ((وذَكر فيه أبحاثًا)).
[4] في (المطبوع): ((الأصناف)).
[5] قوله: ((من)) ليس في (المطبوع).
[6] في (المطبوع): ((قيل:)).