الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

كتاب الطلاق

           ░░68▒▒ كتاب الطَّلاق
          بسط الكلام عليه لغةً وشرعًا في «الأوجز» وفيه أنَّه اسمٌ بمعنى المصدر الَّذي هو التَّطليق كالسَّلام، وهو في اللُّغة حلُّ الوثاق، وفي «الدُّرِّ المختار»: هو لغةً [رفع] القيد لكنْ جعلوه في المرأة طلاقًا وفي غيرها إطلاقًا، فلذا كان: أَنْتِ مُطْلَقَةٌ بالسُّكون كنايةً، وفي «البحر»: إنَّه يستعمل في النِّكاح بالتَّطليق به(1) في غيره بالإطلاق، حتَّى كان الأوَّل صريحًا، والثَّاني: كنايةً، قال إمام الحرمين: هو لفظٌ جاهليٌّ ورد الشَّرع بتقريره.
          ثُمَّ الطَّلاق قد يكون حرامًا أو مكروهًا أو واجبًا أو مندوبًا أو جائزًا... إلى آخر ما بسط في «الأوجز». انتهى مِنْ «هامش اللَّامع».
          قوله: (وطلاق السُّنَّة أن يطلِّقها طاهرًا مِنْ غير جماعٍ) قال العلَّامة العينيُّ: أي: الطَّلاق السُّنِّيُّ أن يطلِّق امرأته حالة طهارتها عن الحيض ولا تكون موطوءة في ذلك الطُّهر، وأن يُشْهِد شاهدين على الطَّلاق، فمفهومه إن طلَّقها في الحيض أو في طهرٍ وطئها فيه أو لم يُشْهِد يكون طلاقًا بِدْعيًّا.
          واختلفوا في طلاق السُّنَّة فقال مالكٌ: طلاق السُّنَّة أن يطلِّق الرَّجل امرأته في طُهرٍ لم يمسَّها فيه تطليقةً واحدةً، ثُمَّ يتركها حتَّى تنقضي العدَّة برؤية أوَّل الدَّم في(2) الحيضة الثَّالثة، وهو قول اللَّيث والأوزارعي(3)، وقال أبو حنيفة: هذا أحسن مِنَ الطَّلاق، وزعم المرغينانيُّ أنَّ الطَّلاق على ثلاثة أوجهٍ عند أصحاب أبي حنيفة: حسنٌ وأحسنُ وبِدْعيٌّ، فالأحسن: أن يطلِّقها وهو مدخولٌ بها تطليقةً واحدةً في طهرٍ لم يجامعها فيه ويتركَها حتَّى تنقضي عدَّتها، والحسن: وهو طلاق السُّنَّة وهو أن يطلِّق المدخول بها ثلاثًا في ثلاثة أطهارٍ، والبِدْعيُّ: أن يطلِّقها ثلاثًا بكلمةٍ واحدةٍ أو ثلاثًا في طهرٍ واحدٍ فإذا فعل ذلك وقع الطَّلاق وكان عاصيًا. انتهى.
          وفي «المغني»: وطلاق السُّنَّة أن يطلِّقها طاهرًا مِنْ غير جماعٍ واحدةً ثُمَّ يدعَها حتَّى تنقضي عدَّتها، وكذلك قال مالكٌ والأوزاعيُّ والشَّافعيُّ وأبو عُبيدٍ، وقال أبو حنيفة والثَّوريُّ: السُّنَّة أن يطلِّقها ثلاثًا في كلِّ قَرْءٍ طلقةٌ وهو قول سائر الكوفيِّين... إلى آخر ما بسط في «الدَّلائل».
          قال ابن رُشدٍ: أجمع العلماء على أنَّ المطلِّق للسُّنَّة في المدخول بها هو الَّذي يطلِّق امرأته في طُهرٍ لم يمسَّها [فيه] طلقةً واحدةً، وأنَّ المطلِّق(4) في الحيض أو الطُّهر الَّذي مسَّها فيه غير مطلِّقٍ للسُّنَّة. انتهى وسيأتي بقيَّة كلامه.
          وفي «المغني» في موضعٍ آخر: ولو طلَّقها ثلاثًا في طهرٍ لم يصبها فيه كان أيضًا للسُّنَّة وكان تاركًا للاختيار، واختلفت الرِّوايات عن أحمد في جمع الثَّلاث فروى(5) عنه أنَّه / غير محرَّمٍ، اختاره الخَرْقيُّ وهو مذهب الشَّافعيِّ، والرِّواية الثَّانية أنَّ جَمْعَ الثَّلاث طلاقُ بدعةٍ محرَّمٌ، اختارها أبو بكرٍ وأبو حفصٍ وهو قول مالكٍ وأبي حنيفة. انتهى.
          قلت: وقد(6) صرَّح في فروع الشَّافعيَّة أنَّه لا يحرم الجمع بين الطَّلقات الثَّلاث، كما في «الأنوار لأعمال الأبرار» وغيره، وفيه: الطَّلاق على أربعة أقسامٍ:
          الأوَّل: الواجب.
          والثَّاني: المستحبُّ.
          والثَّالث: المكروه، وتُسمَّى الثَّلاثةُ سنِّيًّا.
          الرَّابع: المحرَّم وتسمَّى بِدْعيًّا ولتحريمه أسبابٌ:
          الأوَّل: الحيض.
          والثَّاني(7): المجامعة في الطُّهر.
          والسَّبب الثَّالث: الظُّلم، ولا يحرم الجمع بين الطَّلقات الثَّلاث ويُستحبُّ التَّفريق. انتهى ملخَّصًا.
          وفي «البذل» عن ابن رشدٍ بحثًا على طلاق السُّنَّة: واختلفوا مِنْ هذا الباب في ثلاثة مواضعَ:
          الموضع الأوَّل: هل مِنْ شرطه_أي طلاق السُّنَّة _ ألَّا يُتْبِعَها طلاقًا في العدَّة؟
          والثَّاني: هل المطلِّق ثلاثًا بلفظ الثَّلاث(8) مطلِّقٌ للسُّنَّة أم لا؟
          أمَّا الأوَّل: فاختَلف فيه مالكٌ وأبو حنيفة ومَنْ تبعهما، فقال مالكٌ: مِنْ شرطه ألَّا يُتْبِعَها في العدَّة طلاقًا آخر، وقال أبو حنيفة: إن طلَّقها عند كلِّ طُهرٍ طلقةً واحدةً كان مطلِّقًا للسُّنَّة.
          وأمَّا الثَّاني: فإنَّ مالكًا ذهب إلى أنَّ المطلِّق ثلاثًا بلفظٍ واحدٍ مطلِّقٌ بغير سُنَّةٍ، وذهب الشَّافعيُّ إلى أنَّه مطلِّقٌ للسُّنَّة. انتهى ملخَّصًا مِنَ «البذل».
          وعن أحمد روايتان كما تقدَّم عن «المغني»، وفي «الفيض» في (باب: مَنْ أجاز طلاق الثَّلاث): واعلم أنَّ الطَّلاق البدعيَّ ينقسم عندنا إلى قسمين:
          بدعيٌّ مِنْ حيث الوقت: وهو في زمان الحيض.
          وبدعيٌّ مِنْ حيث العددُ.
          وأمَّا عند الشَّافعيِّ: فلا بدعيَّ عنده مِنْ حيث العددُ فلا يكون الجمع بين الطَّلقات الثَّلاث بدعةً(9) عنده، وإليه مال المصنِّف خلافًا للجمهور. انتهى.


[1] قوله: ((به)) ليس في (المطبوع).
[2] في (المطبوع): ((من)).
[3] في (المطبوع): ((والأوزاعي)).
[4] في (المطبوع): ((مطلق)).
[5] في (المطبوع): ((الثلاثة فرُوي)).
[6] في (المطبوع): ((قد)).
[7] في (المطبوع): ((الثاني)).
[8] في (المطبوع): ((الثالث)).
[9] في (المطبوع): ((بعدة)).