الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

كتاب الطب

           ░░76▒▒ كتاب الطِّبِّ
          تقدَّم في مبدأ كتاب المرضى اختلاف النُّسخ، وأنَّ النَّسَفيَّ لم يُفرِد كتاب الطِّبِّ.
          قالَ الحافظُ: قوله: كتاب الطِّبِّ وزاد(1) في «نسخة الصَّغانيِّ»: <والأدوية>، والطِّبُّ بكسر المهملة، وحكى ابنُ السَّيِّد تثليثها، والطَّبيب: هو الحاذق بالطبِّ، ويقال له أيضًا: طَـِبٌّ_بالفتح والكسر_ ومُسْتَطبٌّ، وامرأة طَبَّ بالفتح، ونُقل أهل اللُّغة أنَّ الطِّبَّ_بالكسر_ يقال بالاشتراك للمُدَاوي وللتَّدَاوي وللدَّاء أيضًا، فهو مِنَ الأضداد، ويقال أيضا للرفق والسِّحر، ويقال للشَّهوة، والطبيب: الحاذق في كل شيء، وخُصَّ به المعالج عرفًا، والطِّبُّ نوعان: طبُّ جسدٍ وهو المراد هاهنا، وطبُّ قلب، ومعالجته خاصَّة بما جاء به الرَّسول ╕ عن ربَّه سبحانه وتعالى، وأمَّا طبُّ الجسد فمنه ما جاء في المنقول عنه صلعم ومنه ما جاء عن غيره، وغالبُه راجعٌ إلى التَّجربة... إلى آخر ما بسط.
          قالَ القَسْطَلَّانيُّ: والطَّبيب: الحاذق في كلِّ شيء، وخُصَّ به المعالجُ في العُرف، لكنْ كُره تسميتُه بذلك لقوله صلعم: ((أنتَ رَفِيقٌ واللهُ الطَّبيب)) أي: أنت ترفُق بالمريض واللهُ الَّذِي يُبْرئه ويعافيه، وترجم له أبو نُعيم: كراهية أنْ يُسَمَّى الطَّبيبَ اللهُ. انتهى.
          قلت: يعني أنَّه ليس مِنْ أسماء الله الحُسْنَى، فلا يُقال لله: يا طبيبُ.
          وبسطَ الشَّيخُ ابن القيِّم في «زاد المعاد»: في هديه صلعم في الطِّبِّ الَّذِي تطبَّب به صلعم، وبيَّن ما فيه مِنَ الحكمة الَّتي تُعْجِز عقول أكثر الأطبَّاء عن الوصول إليها... إلى آخر ما ذكر في «هامش اللَّامع» مختصرًا.
          وترجم الإمام مالك في «الموطَّأ»: تعالج المريض، وذكرت في «الأوجز» بعض المباحث ممَّا يتعلَّق بالعلاج والطِّبِّ، وفيه: قال السُّيوطيُّ: والأحاديث المأثورة في علمه صلعم بالطِّبِّ لا تُحصى، وقد جُمع منها دواوينُ، واختُلف في مبدأ هذا العلم على أقوالٍ كثيرة، والمختارُ أنَّ بعضه عُلم بالوحي إلى بعض الأنبياء، وسائرُه بالتَّجارِب، لِما روى البزَّار والطَّبَرانيُّ عن ابنِ عبَّاسٍ عن النَّبيِّ صلعم: ((أنَّ(2) نبيَّ الله سليمان ◙ كان إذا قَام يُصَلِّي رأى شجرةً ثابتةً بين يديه فيقول لها: ما اسمُك؟ فتقول: كذا، فيقول: لأيِّ شيء أنت؟ فتقول: لكذا، فإن كانت لدواء كُتبت...)) الحديث، وفيه أيضًا عن النَّوويِّ: مذهب السَّلف وعامَّة الخلف استحبابُ الدَّواء خلافًا لمن أنكره فقال: كلُّ شيءٍ بقضاء وقدر فلا حاجة إلى التَّداوي. انتهى.
          وكتبَ الشَّيخُ في «البذل» في حديث أسامة: ((جاء الأَعراب فقالوا: يا رسول الله، أَنَتَدَاوى؟ فقال: تَدَاوَوا)) الظَّاهر أنَّ الأمر للإباحة والرُّخصة، وهو الَّذِي يقتضيه المقام، فإنَّ السُّؤال كان عن الإباحة قطعًا، ويُفهم مِنْ كلام بعضهم أنَّه للنَّدب وهو بعيد، نعم قد تداوى رسول الله صلعم بيانًا للجواز، فمن نوى موافقته صلعم يُؤْجَر على ذلك، كذا في «فتح الودود». انتهى.
          قلت: وبه جزم شيخ مشايخنا الكَنكَوهيُّ في «الكوكب الدُّرِّيِّ» إذ قال: الأمر أمرُ إباحة وتخيير، ثمَّ ذكر أنواع التَّوكُّل ومراتبه... إلى آخر ما بسط في «الأوجز».


[1] قوله: ((زاد)) ليس في (المطبوع).
[2] في (المطبوع): ((إن)).