الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

أبواب تقصير الصلاة

          ░░18▒▒ أبواب تقصير الصَّلاة
          هاهنا خمسة أبحاث:
          الأوَّل: في حكم القصر.
          والثَّاني: في المسافة الَّتِي يقصر فيها.
          والثَّالث: في السَّفر الَّذِي يقصر فيه.
          والرَّابع: في الموضع الَّذِي يبدأ منه القصر.
          والخامس: في مقدار الزَّمان الَّذِي يقصر فيه المسافر إذا قام في موضع.
          بسط الكلام على هذه المباحث في «الأوجز» وسيأتي أكثر هذه المباحث في الأبواب الآتية.
          ░1▒ (باب: مَا جَاء فِي التَّقْصِير وَكَم يقيم حتَّى يَقْصُرَ؟)
          قال الحافظ: في هذه التَّرجمة إشكال لأنَّ الإقامة ليست سببًا للقصر، ولا القصر غاية الإقامة(1)، فقيل: إنَّه انقلب اللَّفظ والمعنى كم يقصر حتَّى يقيم؟ وقيل: كم مدَّة يقيم حتَّى يقصر؟ وعدد الأيَّام المذكورة سبب لمعرفة جواز القصر فيه فيها(2). انتهى مِنَ «الفيض».
          ثمَّ التَّرجمة مشتملة على / جزأين:
          الأوَّل: قوله: (ما جاء في التَّقصير) ولعلَّ المصنِّف أشار به إلى حكم التَّقصير مِنْ كونه واجبًا أو مباحًا، فإنَّ المسألة خلافيَّة شهيرة كما ستأتي، ولمَّا لم يكن له حديث عند المؤلِّف على شرطه لم يورده، بل أشار في التَّرجمة إلى الاختلاف، وأوجَهُ منه أنَّه أشار إلى مبدأ القصر كما هو دأبه في جميع كتابه.
          والجزء الثَّاني مِنَ التَّرجمة هو قوله: (وكم يُقِيم حتَّى يَقْصُر) وأشار بذلك إلى مسألة أخرى خلافيَّة أيضًا، وهي اختلافهم في المدَّة الَّتِي إذا نوى المسافر الإقامة فيها لزمه الإتمام.
          أمَّا المسألة الأوَّل: ففي «هامش اللَّامع»: اختلفوا في حكم القصر، أمَّا الحنفيَّة فقالوا بوجوبه قولًا واحدًا، واختلفت الرِّوايات عن الإمام الشَّافعيِّ، وأشهرها أنَّه رخصة، والإتمام أفضل. وكذلك اختلفت الرِّوايات عن الإمام مالك، فروى عنه أشهبُ أنَّه فرض، وأشهرها أنَّه سُنَّة عنده، وكذلك اختلفت الرِّوايات عن الإمام أحمد، فروي عنه أنَّه فرض، وعنه أنَّه سُنَّة، وعنه أنَّه أفضل، وعنه: إنِّي أحبُّ العافية عن هذه المسألة.
          وأمَّا المسألة الثَّانية: أعني مبدأ القصر، فالَّذي يظهر لهذا العبد الضَّعيف وبه تجتمع الأدلَّة أنَّ الصَّلاة فُرضت ليلة الإسراء [الثَّانية] ركعتين إلَّا المغرب، ثمَّ زيد عقيب الهجرة إلَّا الصُّبح، ثمَّ بعد أن استقرَّ فرض الرُّباعيَّة نصف منها في السَّفر عند نزول قوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاة} [النِّساء:101].
          قال الحافظ: ذكر ابن الأثير أنَّ قصر الصَّلاة كان في السَّنة الرَّابعة مِنَ الهجرة(3) وهو مأخوذ ممَّا ذكره غيره أنَّ نزول الآية كان فيها، وقيل: كان قصر الصَّلاة في ربيع الآخر مِنَ السَّنة الثَّانية، ذكره الدُّولابيُّ، وقيل: بعد الهجرة بأربعين يومًا(4). انتهى مِنْ «هامش اللَّامع».
          وأمَّا المسألة الثَّالثة ففي «الأوجز»: بلغ ابنُ عبد البرِّ في «الاستذكار» أقوال العلماء في ذلك إلى أحد عشر قولًا، وذكر العينيُّ في «شرح البخاريِّ» اختلاف الأقوال في ذلك على اثنين وعشرين قولًا نتركها اختصارًا.
          قال ابن رشد في «البداية»: الأشهر [منها] هو ما عليه فقهاء الأمصار، ولهم في ذلك ثلاثة أقوال:
          أحدها: مذهب مالك والشَّافعيِّ أنَّه إذا أزمع المسافر على إقامة أربعة أيَّام أتمَّ.
          والثَّاني: مذهب أبي حنيفة والثَّوريِّ أنَّه إذا أزمع على إقامة خمسة عشر يومًا أتمَّ.
          والثَّالث: مذهب أحمد وداود أنَّه إذا أزمع على أكثر مِنْ أربعة أيَّام أتمَّ. انتهى.
          وذلك بأن ينوي الإقامة إلى إحدى وعشرين صلاةً.
          وفي «فيض الباري»: اعلم أنَّه لم يبلغ حديثٌ مرفوع في تحديد مدَّة القصر إلى مرتبة الصِّحَّة، وحديث ابن عبَّاس في فتح مكَّة ومدَّة الإقامة فيه تسعة عشر، على اختلاف فيه، وحديث أنس ثاني حديث الباب في حجَّة الوداع ومدة الإقامة فيها(5). انتهى.
          قلت: والظَّاهر أنَّ ميل المصنِّف في هذه المسألة إلى ما ذهب إليه ابن عبَّاس.


[1] في (المطبوع): ((للإقامة)).
[2] فتح الباري:2/561
[3] في (المطبوع): ((الرابعة للهجرة)).
[4] فتح الباري:1/465 مخنصرا
[5] فيض الباري:2/530