الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

كتاب الكفالة

          ░░39▒▒ <كتاب الكفالة>
          هكذا في «النسخة الهنديَّة» الَّتِي بأيدينا، وليس في نسخ «الشُّروح الأربعة»، ولم يتعرَّضوا له، بل في «نسخة الشُّروح»: <باب: الكفالة في القرض...> إلى آخره، فأدخلوا أبواب الكفالة تحت كتاب الحوالة.
          قال الحافظ في مبدأ الحوالة: قال الحسن وشُريح وزُفر: الحوالة كالكفالة، فيرجع على أيِّهما شاء، وبه يُشْعِر إدخال البخاريِّ أبواب الكفالة في كتاب الحوالة.
          وقالَ العَينيُّ: وجه إدخال هذا الباب في كتاب الحوالة مِنْ حيثُ إنَّ الحوالة والكفالة الَّتِي هي الضَّمان متقاربان لأنَّ كلًّا منهما نقلُ دَين مِنْ ذمَّة إلى ذمَّة. انتهى.
          وفي «الدُّرِّ المختار»: الكفالة لغةً: الضَّمُّ، وشرعًا: ضَمُّ ذِمَّة الكفيل إلى ذِمَّة الأصيل في المطالبة مُطْلقًا بنفْس أو بدَيْن أو عينٍ كمغصوب أو نحوه لأنَّ المطالبة تعمُّ ذلك، ومَنْ عرَّفها بالضَّمِّ في الدَّين إنَّما أراد تعريف نوع منها، وهو الكفالة بالمال لأنَّه محلُّ الخلاف، وبسط الكلام عليه ابنُ عابدين.
          ░1▒ (باب: الكَفَالة في القَرْضِ والدُّيُون بالأَبْدَان...) إلى آخره
          هو مِنْ عطفِ العامِّ على الخاصِّ، والكفالة في العُرف / _كما قاله الماورديُّ_ تكون في النُّفوس، والضَّمان في الأموال، والحمالة في الدِّيات، والزَّعامة في الأموال العظام، قال ابن حبَّان في «صحيحه» والزَّعيم: لغة أهل المدينة، والحميل: لغة أهل مصر، والكفيل: لغة أهل العراق(1).
          (وغيرها) أي: الكفالة بالأموال. انتهى مِنَ القَسْطَلَّانيِّ.
          وفي «الفيض»: واعلم أنَّ الكفالة على نحوين:
          كفالة بالنَّفس، ويكون فيها كفيل ومكفول له وبه.
          وكفالة بالمال، وفيها مكفول عنه أيضًا مع سائر الألقاب، ثمَّ القرض والدَّين يفترقان، فالقرض ما يأخذه الرَّجل لحوائجه ويُعَدَّ إعانة في الحال، والدَّين ما يلزم في المعاوضات والمعاملات، ثمَّ التَّأجيل لا يلزم في باب القرض، فللمقرض أن يطالبه قبل حلول الأجل، بخلاف الدَّين، فليس لصاحب الدَّين أن يطالب مَنْ عليه الدَّين قبل حلول الأجل، وكذا لا تصحُّ الكفالة في القرض لأنَّه مِنْ باب الاعتماد، فإن لم يكن له اعتماد عليه ينبغي ألَّا يقرضه، بخلاف الدَّين فإنَّه مضمون بنفسه على ما فُصِّل في الفقه. انتهى.
          وفي «الهداية»: الكفالة بالنَّفس لا يجوز عند الشَّافعيِّ لأنَّه كفل بما لا يقدر على تسليمه، وفي «هامشه» عن «فتح القدير»: هذا هو المنقول عن الشَّافعيِّ، والأظهر عند الشَّافعيَّة أنَّها جائزة. انتهى.
          2290- قوله: (وكان عمر جَلَدَه مئة)
          وقال الحافظ: هو مختصر مِنْ قصَّة أخرجها الطَّحَاوِي مِنْ طريق عبد الرَّحمن بن أبي الزِّناد حدَّثني أبي حدَّثني محمَّد بن حمزة عن أبيه أنَّ عمر بن الخطَّاب بعثه للصَّدقة، فإذا رَجل يقول لامرأة: صدِّقي مال مولاك، وإذا امرأة(2) تقول: بل أنت صدِّق مال ابنك، فسأل حمزةُ عن أمرهما، فأُخبر أنَّ ذلك الرَّجل زوج تلك المرأة، وأنَّه وقع على جارية لها، فولدت ولدًا، فأعتقته امرأته، ثمَّ ورث مِنْ أمِّه مالًا، فقال حمزة للرَّجل: لأرجُمنَّك، فقال له أهل الماء: إنَّ أمره رُفع إلى عمر فجَلَدَه مئة ولم يرَ عليه رجمًا، قال: فأخذ حمزة بالرَّجل كفيلًا حتَّى قدم على عمر فسأله، فصدَّقَهم عمر بذلك مع قولهم، وإنَّما دَرَأ عمر عنه الرَّجم لأنَّه عَذَره بالجهالة، واستفيد مِنْ هذه القصَّة مشروعيَّة الكفالة بالأبدان، فإنَّ حمزة بن عمرو صحابيٌّ، وقد فعله، ولم ينكر عليه [عمرُ] مع كثرة الصَّحابة حينئذ، وأمَّا جلدُ عمر للرَّجل فالظَّاهر أنَّه عزَّرَه بذلك، قاله ابن التِّينِ، قال: وفيه شاهد لمذهب مالك في مجاوزة الإمام في التَّعزير قَدْر الحدِّ(3).
          ومسألة التَّعزير وكذا مسألة مَنْ زنى بجارية امرأته خلافيَّتان، كما ذكرتا في «هامش اللَّامع» وسيأتي في محلِّها(4)، إن شاء الله تعالى.
          قوله: (وكفَّلهم عَشَائِرهم) هذا أيضًا مختصر مِنْ قصَّة أخرجها البَيْهقيُّ بطولها كما ذكر في «هامش اللَّامع» فارجع إليه لو شئت.
          قال الحافظ: قال ابن المنيِّر: أخذ البخاريُّ الكفالة بالأبدان في الدُّيون مِنَ الكفالة بالأبدان في الحدود وبطريق(5) الأَولى. انتهى.
          قالَ العَينيُّ: قالَ المهلَّبُ: وحديث الخشبة الملقاة في البحر أصلٌ في الكفالة بالدُّيون مِنْ قرض كانت أو بيع. انتهى.
          قالَ العلَّامةُ القَسْطَلَّانِيُّ: وهذا الحديث أخرجه أيضًا مختصرًا في الاستقراض واللُّقَطة والاستئذان والشُّروط، وسبق في البيع والزَّكاة. انتهى.
          قوله: (فمات فلا شيء عليه...) إلى آخره، قال الحافظ: وبذلك قال الجمهور، وعن ابن القاسم صاحب مالك: يُفْصَل بين الدَّيْنِ الحَالِّ والمؤَجَّل، فيغرَّم في الحالِّ، ويفصَّل في المؤجَّل بين ما إذا كان لو قَدِمَ لأَدْرَكَه أم لا؟ انتهى.
          قالَ العَينيُّ: مذهب الحَكَم أنَّ الكفيل بالنَّفس يضمن الحقَّ الَّذِي على المطلوب، وهو أحد قولَي الشَّافعيِّ، وقال مالك واللَّيث: إذا تَكَفَّل بنفسه وعليه مال فإنَّه إن لمْ يأت به غُرِّم المال، ويرجع به إلى المطلوب، فإن اشترط ضمان نفسه أو وجهه وقال: لا أضمن المال، فلا شيء عليه مِنَ المال(6). انتهى.
          وفي «الدُّرِّ المختار»: (ويَبْرَأ) الكفيل بالنَّفس (بموت المكفول به ولو عبدًا) أراد به دفع توهُّم أنَّ العبد مال، فإذا تعذَّر تسليمه لزمه قيمته (وبموت الكفيل)، وقيل: يطالب وارثه بإحضاره(7). انتهى.
          وفي «الكنز»: (وتبطل) أي: الكفالة بالنَّفس (بموت المطلوب) وهو المكفول بنفسه لأنَّه يرى(8) بموته وبراءته براءة الكفيل، وعند مالك وبعض الشَّافعيَّة يلزمه ما عليه، وكذا تبطل بموت الكفيل للعجز، لأنَّ التَّسليم لا يتحقَّق بخلاف الكفيل بالمال إذا مات لأنَّ حكمه بعد / موته ممكن فيُوفَّى مِنْ ماله، ثمَّ ترجع الورثة على المكفول له إن كانت الكفالة بأمره وإلَّا فلا. انتهى بزيادة مِنْ «شرح العينيِّ».


[1] إرشاد الساري:4/146
[2] في (المطبوع): ((المرأة)).
[3] فتح الباري:4/469
[4] في (المطبوع): ((محلهما)).
[5] في (المطبوع): ((بطريق)).
[6] عمدة القاري:12/116
[7] حاشية ابن عابدين:5/292
[8] في (المطبوع): ((برئ)).