الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب: {وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت}

          ░123▒ (باب: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَاَنَ الْبَيْتِ} إلى آخره [الحج:26])
          قال الحافظ: وقع سياق الآيات كلِّها في رواية كريمة، والمراد منها هنا قوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج:28]، ولذلك عطف عليها بالتَّرجمة: (وما يأكل(1) مِنَ البُدْن / وما يتصدَّق) أي: بيان المراد مِنَ الآية. انتهى.
          وتعقَّبه العَينيُّ بأنَّ الَّذِي في معظم النُّسخ: <باب> بعد قوله تعالى: {فهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} [الحج:30] وقبل قوله: (ما يُؤْكَل مِنَ البُدْن) ثمَّ قال: وأين العطف في هذا وكل ُّواحد مِنَ البابين ترجمة مستقلَّة؟ والظَّاهر أنَّ المؤلِّف لم يجد في التَّرجمة الأُولى حديثًا يطابقها على شرطه(2). انتهى.
          وتعقَّب القَسْطَلَّانِي على كلامه، فارجع إليه لو شئت.
          قلت: فعلى النُّسخة الَّتِي فيها <باب> مستقلٌّ التَّرجمة السَّابقة عندي بمنزلة الكتاب، للأفعال الَّتِي تُعْمَل في مِنًى منها أكل الهَدي، والحَلق المشار إليه في الآية بقوله: {ثمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} [الحج:29] ومنها الطَّواف المشار إليه بقوله: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج:29] ومنها ذكر الله في هذه الأيَّام بالرَّمي المشار إليه بقوله: {واذكروا الله(3) فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج:28] على ما قيل.
          وقال الحافظ: وقوله: (عن ابن عمر لا يُؤْكَل...) إلى آخره، وصله ابن أبي شيبة عن ابن نمير عنه بمعناه، قال: إذا عطبت البَدَنة أو كثرت(4) أكل منها صاحبها ولم يُبْدِلها، إلَّا أن تكون نذرًا أو جزاء صيد، وهذا القول إحدى الرِّوايتين لأحمد، وهو قول مالك، وزاد إلَّا فدية الأذى، والرِّواية الأخرى عن أحمد: ولا يُؤْكل إلَّا مِنْ هَدي التَّطوُّع والتَّمَتُّع والقِران، وهو قول الحنفيَّة بناء على أصلهم أنَّ دم التَّمَتُّع والقِران دمُ نُسُك لا دمُ جبران. انتهى وفي «هامش اللَّامع».
          قلت: اختلفت نَقَلَة المذاهب في بيان ما يُؤكل مِنَ الهدايا، كما بسط في «الأوجز».
          وذكر فيه بعد نقل الأقاويل المختلفة: وتحصَّل ممَّا سلف أنَّ المذهب عند الحنابلة ألَّا تُؤكَل مِنَ الهدايا إلَّا دم التَّمتُّع والقِران والتَّطوُّع، وبه قالت الحنفيَّة، ومشهور مذهب مالك أنَّه يُؤكل مِنْ كلِّ هدي بلغ مَحِلَّه إلَّا ثلاثة: جزاء الصَّيد، وفدية الأذى، وما نذر للمساكين، وأمَّا عند الشَّافعيَّة فلا يجوز أكل شيء مِنَ الدِّماء الواجبة حتَّى دم التَّمَتع والقِران، ويجوز الأكل مِنَ التَّطوُّع مع وجوب التَّصَدُّق ببعض لحمه، وهذا التَّفصيل في الهدي الَّذِي بلغ مَحِلَّه.
          وأمَّا ما عُطِب في الطَّريق ففيه أيضًا خلاف مشهور بين الأئمَّة، وطالما تلتبس إحدى المسألتين بالأخرى على نَقَلَة المذاهب ففي «الأوجز» بعد نقل الأقاويل المختلفة: والحاصل أنَّ الأكل مِنَ الهدي إذا عُطِب لا يجوز لصاحبه ولا لرفقته، سواء كانوا أغنياء أو فقراء عن(5) الشَّافعيِّ وأحمد، ويجوز لغيرهم إذا كانوا فقراء، وأمَّا عند مالك فيجوز للرُّفقاء مُطْلقًا سواء كانوا أغنياء أو فقراء فضلًا عن غير الرُّفقة، ولا يجوز لصاحبه ولو فقيرًا ولا لرسوله، ولا يجوز له الأمر لأحد أن يأكل ولا أن يُفَرِّقه على النَّاس، بل يُخَلِّي بينه وبينهم، وأمَّا عند الحنفيَّة فيجوز للفقراء سواء كانوا رفقة أم لا، ولا يجوز للأغنياء مُطْلقًا... إلى آخر ما بسط فيه مِنَ الدَّلائل.


[1] في (المطبوع): ((يؤكل)).
[2] عمدة القاري: ج10/55
[3] في (المطبوع): ((ويذكروا اسم الله)).
[4] في (المطبوع): ((كُسرت)).
[5] في (المطبوع): ((عند)).