الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

كتاب الصوم

          ░░30▒▒ كتاب الصوم
          قد تقدَّم في مبدأ كتاب الحجِّ وجوهُ المناسبة بين الحجِّ والصَّوم وغيرهما.
          قالَ العَينيُّ في وجه المناسبة: العبادات أربعة:
          بدنيَّة محض: وهي الصَّلاة والصَّوم.
          وماليَّة محض: وهي الزَّكاة.
          ومركَّبة منهما: وهو الحجُّ.
          وكان مقتضى الحال أن يذكر الصَّوم عقيب الصَّلاة لكونهما مِنْ وادٍ واحدٍ، لكن ذُكرت الصَّلاة عقيبها(1) لِما ذكرنا كما تقدَّم في مبدأ الحجِّ، ثمَّ إنَّ غالب المصنِّفين ذكروا الصَّوم عقيب الزَّكاة فلا مناسبة بينهما، والَّذي ذكره البخاريُّ مِنْ تأخير الصَّوم وذكرِه في الأخير هو الأوجَهُ والأنسب لأنَّ ذكر الحجِّ عقيب الزَّكاة هو المناسب مِنْ حيثُ اشتمال كلٍّ منهما على بذل المال، ولم يبقَ للصَّوم موضع إلَّا في الأخير. انتهى.
          قلت: وما أورد العينيُّ على عامَّة المصنِّفين أجاب عنه ابن عابدين في مبدأ كتاب الصَّوم إذ قال: اعلم أنَّ الصوم مِنْ أعظم أركان الدِّين، به قهرُ النَّفس الأمَّارة بالسُّوء، وأنَّه مركب مِنْ أعمال القلب / ومِنَ المنع عن المآكل والمشارب والمناكح عامَّة [يومه]، وهو أجمل الخصال غير أنَّه أشقُّ التَّكاليف على النُّفوس، فاقتضت الحكمة الإلهيَّة أن يبدأ في التَّكاليف بالأخفِّ وهو الصَّلاة تمرينًا للمكلَّف، ثمَّ يُثَنِّي بالوسط وهو الزَّكاة، ويُثَلِّث بالأشقِّ وهو الصَّوم، وإليه وقعت الإشارة في مقام المدح والتَّرتيب: {وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ} [الأحزاب:35] وفي ذكر مباني الإسلام: ((وإقام الصَّلاة، وإيتاء الزَّكاة، وصوم شهر رمضان)) فاقتدت أئمَّة الشَّريعة في(2) مصنَّفاتهم بذلك(3). انتهى.
          وذكر في مبدأ كتاب الصَّوم مِنَ «الأوجز» عشرة أبحاث مفيدة بالبسط، وفي «هامش اللَّامع» مختصرًا.
          منها ما قالوا: إنَّ بدء الصَّوم مِنْ زمن آدم ╕، قال الله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة:183] قال عليٌّ ☺ : أوَّلُهم آدم، يعني أنَّ الصوم عبادة قديمة ما أخلى الله تعالى أُمَّة مِنِ افتراضها(4) عليهم.
          ومنها أنَّ فَرْضيَّة رمضان نزلت في السَّنَّة الثَّانية مِنَ الهجرة في شعبان، كما في «تاريخ الخميس» و «مجمع البحار» و«الدُّرِّ المختار»، وفي «تفسير روح البيان» أنَّ افتراض الصِّيام بعد خمس عشرة سَنة مِنَ النُّبوَّة بعد الهجرة بثلاث سنين. انتهى.
          وعن ابن عبَّاس: بعث الله تعالى نبيَّه بشهادة ألَّا إله إلَّا الله، فلمَّا صُدِّق زاد الصَّلاة، فلمَّا صُدِّق زاد الزَّكاة، فلمَّا صُدِّق زاد الصِّيام، فلمَّا صُدِّق زاد الحجَّ. انتهى.
          كذا في «الأوجز».


[1] كذا في الأصل وفي العمدة الزَّكاة عمدة القاري:10/254
[2] قوله: ((في)) ليس في (المطبوع).
[3] حاشية ابن عابدين:2/370
[4] في (المطبوع): ((افتراضه)).