الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

كتاب البيوع

          ░░34▒▒ كتاب البيوع
          وَقَوْلِ اللَّهِ تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة:275].
          وَقَوْلِهِ: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ} [البقرة:282] (1).
          ولمَّا فرغ البخاريُّ عن بيان العبادات المقصود منها التَّحصيل الأُخْرويُّ، شرع في بيان المعاملات المقصود منها التَّحصيل الدُّنْيويُّ، فقدَّم العبادات لاهتمامها، ثمَّ ثنَّى بالمعاملات لأنَّها ضرورية، وأخَّر النِّكاح لأنَّ شهوته متأخِّرة عن الأكل والشُّرب، وأخَّر الجنايات والمخاصمات لأنَّ وقوع ذلك في الغالب إنَّما هو بعد الفراغ مِنْ شهوة البطن والفرج، وأغرب ابن بطَّالٍ فذكر هنا الجهاد وأخَّر البيع إلى أنْ فرغ مِنَ الأيمان والنذور، قال صاحب «التَّوضيح»: ولا أدري لمَ فَعل ذلك؟!
          قلت: لعلَّه نظر إلى أنَّ الجهاد أيضًا مِنَ العبادات المقصود منها التَّحصيل الأخرويُّ، لأنَّ جُلَّ المقصود ذلك، لأنَّ فيه إعلاء كلمة الله تعالى وإظهار الدِّين ونشر الإسلام، وبعض أصحابنا قدَّم النِّكاح على البيوع في مصنَّفاتهم نظرًا إلى أنَّه مشتمل على المصالح الدِّينيَّة والدُّنيويَّة(2)، ألَّا ترى أنَّه أفضل مِنَ التَّخلِّي بالنَّوافل؟ وبعضهم قدَّم البيوع على النِّكاح نظرًا إلى احتياج النَّاس إلى البيع أكثر مِنِ احتياجهم إلى النِّكاح، فكان أهمَّ بالتَّقديم(3). انتهى مِنَ العَينيِّ.
          قلت: وعامَّة الأحناف مِنَ الفقهاء والمحدِّثين يقدِّمون النِّكاح على البيع وغيره مِنَ المعاملات كما فَعل الإمام الطَّحَاويُّ في «شرح معاني الآثار»، والإمام محمَّد في «الموطَّأ» وكذا صاحب «البدائع» / والإمام السَّرَخْسيُّ في «المبسوط» وصاحب «الهداية» و«شرح الوقاية» و«الدُّرِّ المختار» وغيرُهم، والظَّاهر أنَّ هذا لاختلافهم(4) في حكم النِّكاح: فعند الجمهور مِنَ المندوبات أي: في حال الاعتدال، وعند الشَّافعيِّ كما في «البدائع» أنَّه مباح كالبيع والشِّراء.
          وبسط الكلام على حكمه الموفَّق فقال: النَّاس في النِّكاح على ثلاثة أضرب، إلى أنْ قال: الثَّاني: مَنْ يُستحبُّ له وهو مَنْ له شهوة يأمن معها الوقوع في محظور، فهذا الاشتغال به أَولى مِنَ التَّخلِّي لنوافل العبادة، وهو قول أصحاب الرَّأي، وقالَ الشَّافعيُّ: التَّخلِّي لعبادة الله أفضلُ لأنَّ الله تعالى مدح يحيى ╕ بقوله: {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} [آل عمران:39] فكان الاشتغال للعبادة أفضل منه كالبيع، ثمَّ بسط الموفق في دلائل الجمهور.
          وفي «الأوجز» البيوع: جمع بيع، جُمع(5) لاختلاف أنواعه: فهو المُطْلق إن كان مع(6) العين بالثَّمن، والمقايضة إن كان عينًا بعين، والسَّلَم إن كان بيع الدَّين بالعين، والصَّرف إن كان بيع الثَّمن بالثَّمن، والمرابحة إن كان بالثَّمن مع زيادة، والتَّولية إن لم يكن مع زيادة، والوضيعة إن كان بالنُّقصان، واللَّازم إن كان تامًّا، وغير لازم إن كان بالخيار، وأيضًا الصَّحيح والباطل والفاسد والمكروه.
          قال(7) العلَّامة العينيُّ: وقوله: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} الآية [البقرة:275].
          قال الحافظ: كذا للأكثر، ولم يذكر النَّسَفيُّ ولا أبو ذرٍّ الآيتين، والآية الأُولى أصلٌ في جواز البيع، وللعلماء فيها أقوال: أصحُّها أنَّه عامٌّ مخصوص، فإنَّ اللَّفظ لفظُ عموم يتناول(8) كلَّ بيع فيقتضي إباحة الجميع، لكن قد منع الشَّارع بيوعًا أخرى وحرَّمها، فهو عامٌّ في الإباحة، مخصوص بما لا يدلُّ الدَّليل على منعه، ثمَّ ذكر الحافظ أقوالًا أُخَر، وقال: والآية الأخرى تدلُّ على إباحة التِّجارة في البيوع الحالَّة، وأوَّلها في البيوع المؤجَّلة(9). انتهى.


[1] قوله: ((وقوله تعالى: {وأحل الله البيع وحرم الربا} وقوله: {إلا ان تكون تجارة حاضرة بينكم})) ليس في (المطبوع)
[2] في (المطبوع): ((والدنياوية)).
[3] عمدة القاري:11/158
[4] في (المطبوع): ((اختلافهم)).
[5] في (المطبوع): ((وجمع)).
[6] في (المطبوع): ((بيع)).
[7] في (المطبوع): ((قاله)).
[8] في (المطبوع): ((يتنادل)).
[9] فتح الباري:4/287 مختصرا