الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب توريث دور مكة وبيعها

          ░44▒ (باب: توريث دور مكَّة وبيعها وشرائها...) إلى آخره
          وبه قال الجمهور والطَّحَاوِيُّ، وقالَ الثَّوريُّ وأبو حنيفة: لا يحِلُّ بيعها ولا إجارتها، وخالفه أبو يوسف واختلف عن(1) محمَّد، كذا في «الفتح»(2).
          قلت: وذكر «المغني» عن أحمد روايتين، وكذا في «الشَّرح الكبير» وذكرا مذهب مالك موافقًا للحنفيَّة، وما زعموا أنَّ الغرض مِنَ التَّرجمة الرَّدُّ على الحنفيَّة فليس بصحيح عندي، لأنَّهم لم يقولوا بمنع بيع بيوت مكَّة بل أرضها كما في «الهداية»، وبسط الكلام عليه في «اللَّامع» و«الهامش(3)» أشدَّ البسط.
          وقوله: (سواء خاصَّة...) إلى آخره قيد للمسجد الحرام، أي: المساواة إنَّما هي في نفس المسجد لا في سائر المواضع مِنْ مكَّة، كما قال به أبو حنيفة.
          قالَ الشَّيخ في «اللَّامع»: ظاهر استدلاله بالآية أنَّ المذكور في معرِض المساواة هو المسجد الحرام لا غير، فيكون غير المسجد مِنْ أراضي مكَّة أَولى بالمالك وأحقَّ بتصرُّفه، ودلالة الرِّواية عليه مِنْ حيثُ إطلاق (دارك) بالإضافة وهو علامة الملك، وكذلك قول الرَّاوي: ((وَرِثَ أبا طَالب)) يدلُّ على جَرَيان الإرث فيها، والجواب أنَّ تخصيص ذكر المسجد باستواء حقوقهم فيه(4) لا ينفي الاستواء في غير المسجد، مع أنَّ علَّة الحكم _وهو التَّضييق على الحاجِّ_ مشتركة، وأمَّا الإرث والإضافة المذكورتان في الرِّواية فباعتبار البناء أو سَبْق اليد، كمن جلس في مسجد فوضع ثمَّة ثوبه، أو ألقى خيمته في وادي منًى وغيره، فإنَّه أحقُّ به مِنْ غيره لسَبْق يده ولا تملُّك هنا. انتهى.
          وبسط في «الهامش(5)» الكلام عليه وفيه:
          قال الجصَّاص في «أحكام القرآن»: قال الله تعالى: {وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} [الحج:25] رُوي عن عبد الله بن عمر(6) قال: قال رسول الله صلعم: ((مكَّة مُنَاخٌ لَا تُبَاعُ رِبَاعُهَا وَلَا تُؤْجَرُ(7) بَيُوتُهَا))(8)، وروى سعيد بن جبير عن ابن عبَّاس قال: كانوا يرَون الحرم كلَّه مسجدًا سواء العاكف فيه والبادي(9).
          وفيه أيضًا: بسط الشَّيخ ابن القيِّم في «الهدي» في ذلك فقال: المراد بالمسجد الحرام هاهنا الحرم كلُّه كقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة:28] فهذا المراد به الحرمُ كلُّه، وقال تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ} الآية [البقرة:196] وليس المراد به حضورَ نفسِ موضع الصَّلاة اتِّفاقًا(10)... إلى آخر ما فيه.


[1] في (المطبوع): ((على)).
[2] فتح الباري:3/450 مختصرا
[3] في (المطبوع): ((هامشه)).
[4] قوله: ((فيه)) ليس في (المطبوع).
[5] في (المطبوع): ((هامشه)).
[6] كذا في الأصل والحديث عند الحاكم عن عبد الله بن عمرو بن العاص ☻
[7] في (المطبوع): ((تؤاجر)).
[8] أخرجه الحاكم في المستدرك عن عبد الله بن عمرو ☻ في البيوع، رقم 2326 وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه
[9] أحكام القرآن للجصاص، سورة الحج، باب بيع أراضي مكَّة
[10] زاد المعاد في هدي خير العباد، فصل في الفتح الأعظم، فصل يمنع قسمة مكَّة لأنها دار نسك.