الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب ما جاء في زمزم

          ░76▒ (باب: ما جاء في زمزم...) إلى آخره
          قال الحافظ: كأنَّه لم يثبت عنده في فضلها حديث على شرطه صريحًا، وقد وقع في مسلم مِنْ حديث أبي ذرٍّ: ((أنَّها طَعَامُ طُعْمٍ)) زادت الطَّيالسيُّ: ((وَشِفَاءُ سُقْمٍ))، وفي «المستدرك» مِنْ حديث ابن عبَّاس مرفوعًا: ((مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ)) رجاله موثوقون إلَّا أنَّه اختُلف في إرساله ووصله، وإرسالُه أصحُّ، وله شاهد مِنْ حديث جابر، وهو أشهرُ منه، أخرجه الشَّافعيُّ وابن ماجَهْ ورجاله ثقات إلَّا عبدَ الله بن المُؤَمَّل المكِّيَّ، إلى أنْ قال الحافظ: وقد جمعت في ذلك جزءًا(1)، والله أعلم.
          وسُمِّيت زمزمَ لكثرتها، يقال: ماءٌ زمزمٌ، أي: كثير، وعن مجاهدٍ لأنَّها مشتقَّة مِنَ الهَزْمَة، وهي الغمز بالعقب في الأرض وغير ذلك مِنَ الأقوال نقلها الحافظ(2). انتهى.
          وكتبَ الشَّيخ في «اللَّامع» قوله: (فشرب وهو قائم) فيه التَّرجمة، حيث يضرُّ الماءُ لو شرب قائمًا، ولم يضرَّ زمزمُ إذ لا ضرر فيه، فساغ شربُه قيامًا. انتهى مختصرًا.
          وفي «هامشه»: ظاهر كلام الشَّيخ أنَّه حمل التَّرجمة على / شرب ماء زمزم قائمًا ويشعر إليه ثاني حديثي الباب.
          وقال الحافظ: قال ابن بطَّالٍ وغيره: أراد البخاريُّ أنَّ شرب ماء زمزم مِنْ سُنن الحجِّ، وفي «المصنِّف» عن طاوس قال: ((شرب نبيذ السِّقاية مِنْ تمام الحجِّ)). انتهى.
          والظَّاهر عندي أنَّ غرض الإمام البخاريِّ فضلُ ماء زمزم، وأثبته أيضًا بالشُّرب قائمًا، وما قاله وتبعه فيه غيره أنَّ الإمام البخاريَّ لم يثبت عنده في فضل زمزم حديث... إلى آخره؛ عجيبٌ، وأيُّ حديث يكون أصرح مِنْ حديث الباب في فضله؟! فإنَّه استدلَّ به على كونه أفضلَ مِنْ ماء الكوثر، ففي مقدِّمة «الهداية»: وقد وردت لماء زمزم فضائل في أحاديث كثيرة، وأجمع العلماء على أنَّ ماءها أفضلُ مياه الدُّنيا إلَّا ما نبع مِنْ أصابعه صلعم.
          وهل ماءُ زمزم أفضل مِنْ ماء الكوثر أيضًا؟ اختلفوا فيه، فمنهم مَنْ قال: لا، وذهب أهل التَّحقيق إلى كونه أفضل منه، أخذًا ممَّا رُوي في قصَّة المعراج مِنْ غسل الملائكة صدر رسول الله صلعم بمائه، فلو كان ماء الكوثر أفضل منه لجيء به كما لا يخفى. انتهى.
          وبه جزم الزُّرْقَاني في «شرح المواهب» وقال: وإليه يومئ قول العارف ابن أبي جمرة، وتوقف السُّيوطيُّ فيه...، إلى آخر ما بسط في «هامش اللَّامع».
          ويأتي في كتاب الأشربة: (باب: الشُّرب قائمًا) ويأتي الكلام على المسألة هناك، إن شاء الله تعالى.


[1] فتح الباري:3/493 وفيه قوله: زاد الطيالسي
[2] فتح الباري:3/493 مختصرا