الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

كتاب الإيمان

          ░░2▒▒ كِتَابُ الإيمَانِ
          وتقدَّم في مقدِّمة «اللَّامع» مِنْ كلام الحافظ ابن حَجر نوَّر الله مرقده عن شيخه البُلْقِينيِّ: المناسبة بين الكتب والأبواب لـ«الجامع الصَّحيح»، فقال فيما يتعلَّق ببدء الوحي ما تقدَّم في محلِّه، ثمَّ قال: وقدَّم الوحي لأنَّه مَنْبَع الخيرات وبه قامَت الشَّرائع وجاءت الرِّسَالات، ومنه عُرف الإيمان والعلوم، وكان أوَّلُه إلى النَّبيِّ صلعم بما يقتضي الإيمانَ مِنَ القراءة والرُّبوبية وخلق الإنسان، فذكر بعده كتاب الإيمان والعلوم، وكان الإيمان أشرفَ العلوم، فعقَّبَه بكتاب العلم(1).
          والإيمان _بكسر الهمزة_ لغةً: التَّصديق، وهو الإذعان، أي: إذْعَانٌ لحُكم المخبِرِ وقَبُوله وجعله صادقًا، وشرعًا: التَّصديق بما جاء به الرَّسول صلعم، فهو كأنَّه إفعال مِنَ الأمن، أي: جعل غيره في الأمن مِنَ التَّكذيب، ثمَّ استُعْمِل في التَّصديق مُطلقًا، قال عزَّ اسمُه في قصَّة إخوة يوسف: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} [يوسف:17].
          وفي الشَّرع: التَّصديق بما جاءت به الشَّريعة.
          ثمَّ قال الإمام: إنَّ الإيمان عملُ القلب واللِّسان معًا، والإقرار ركنٌ أو شرط، وهو المنصوص عن الإمام الأعظم، وإليه ذهب الأشعريُّ في أصحِّ الرِّوايتين، وهو المنقول عن الماتُرِيديِّ، والمعروفُ عن الشَّافِعيِّ والمحدِّثين أنَّه مركَّبٌ مِنَ التَّصديق والإقرار والعمل، والخلاف لفظيٌّ بين أهل السُّنَّة بخلاف المُرْجِئة والخوارج، كما في «هامش اللَّامع».
          وحاصل ما في «هامش اللَّامع» أنَّ فيه أربعةَ مذاهبَ: أهل السُّنة وقد تقدَّم، والمرجئة فقالوا(2): هو اعتقادٌ ونطقٌ فقط، والخوارج وقالوا: إنَّ الأعمال أجزاءٌ لحقيقة الإيمان داخلةٌ في ماهيَّته، وإذا فات الجزء فات الكلُّ، وبعضُ المعتزلةِ القائلون: إنَّ الفاسق لا مؤمن ولا كافر، والبسط في «هامش اللَّامع»(3).
          (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) قد يُكتب قبل الكتاب، وقد يُكتب بعده، وقد يُكتب في غير محلِّه، أي: في أثناء الكتاب، والوجه في ذلك أنَّ الإمام البخاريَّ حين يكتب هذا الكتاب كان يكتب ويكتب، فإذا وقف عن الكتابة بسبب المرض أو غيره مِنَ الأعذار تَرَكها، ثمَّ إذا شرع في الكتابة بعد الوقفة كتب البسملة، هذا هو المنقول عن المشايخ، وإن كان ضعيفًا. انتهى.
          كذا في حاشية «اللَّامع» مِنْ تقرير مولانا محمد حسن المكِّيِّ عن الشَّيخ الكنكوهيِّ(4) قُدِّس سرُّه .
          وفيه أيضًا: قلت: ولم أتحصَّل بعدُ وجه الضَّعف، فإنَّ المنقول عن الأساتذة يزيل الإشكال المعروف أنَّ الإمام طالما يذكر البسملة فيما بين الأبواب المسلسلة مِنْ كتاب واحد، كما في أبواب التَّهجُّد: كتب البسملة قبل (باب: فضل الصَّلاة في مسجد مكَّة والمدينة)، وبعد ذلك بيسير كتب البسملة على (باب: استقامة اليد في الصَّلاة) وليسا بكتابين مستقلَّين، وسيأتي ذلك في كلام الشَّيخ قُدِّس سرُّه في «اللَّامع» على (باب: فضل استقبال القبلة)، وتقدَّم في مقدِّمة «اللَّامع» في خصائص الكتاب، ولعلَّ وجه الضَّعف اختلافُ النُّسخ في ذكر البسملة وحذفِها، لكنَّ اختلاف النُّسخ موجود في غير البسملة مِنَ الأبواب والتَّراجم وغير ذلك، نعم بقي الإشكال في أنَّه قد يكتب البسملة قبل الكتاب، وتارة بعده كما هاهنا، وسيأتي جوابه في كلام القَسْطَلَّانيِّ.
          قال القَسْطَلَّانيُّ: ولمَّا / فرغ المؤلِّف مِنْ باب الوحي الَّذِي هو كالمقدِّمة لهذا الكتاب الجامعِ شَرَع يذكر المقاصد الدِّينيَّة، وبدأ منها بالإيمان، لأنَّه مِلاك الأمرِ كلِّه، لأنَّ الباقيَ مبنيٌّ عليه ومشروطٌ به، وهو أوَّل واجب على المكلَّف، فقال مبتدئًا: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) كأكثر كتب هذا «الجامع»، تبرُّكًا وزيادةً في الاعتناء بالتمسُّك بالسُّنَّة، واختَلفت الرِّوايات في تقديمها هنا على كتاب أو تأخيرها عنه، ولكلٍّ وجهٌ، ووجه الثَّاني بأنَّه جعل التَّرجمة قائمةً مَقام تسمية السُّورة، ووجه الأوَّل ظاهرٌ. انتهى.


[1] انظر في تفصيل ذلك عمدة القاري1/103
[2] في (المطبوع): ((وقالوا)).
[3] شرح تراجم أبواب البخاري: ░27▒.
[4] في (المطبوع): ((الگنگوهي)).