الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم

           ░░88▒▒ <كتاب اسْتِتَابة المُرْتَدِّين(1) المُعَانِدِينَ والمُرْتَدِّينَ وقِتَالِهم... إلى آخره>
          كذا في «النُّسخ الهنديَّة»، وفي «نسخة الفتح والعينيِّ»: <كتاب استتابة المرتدِّين والمعاندين وقتالهم، باب: إثم مَنْ أشرك بالله تعالى> إذ قالَ الحافظُ: كذا في رواية الفَرَبْريِّ، وسقط لفظ: كتاب مِنْ رواية المُسْتَمْلي، وفي رواية القابسيِّ بعد قوله: (وقتالهم): <وإثم مَنْ أشرك...> إلى آخره، وحذف لفظ: (باب). انتهى.
          وفي «هامش اللَّامع»: لم يتعرَّض لغرض التَّرجمة أحدٌ مِنَ الشُّرَّاح، والأوجَهُ عندَ هذا العبدِ الضَّعيفِ: أنَّ الإمام البخاريَّ ترجم بلفظين: استتابة المرتدِّين وقتالهم، وأشار بذلك / عندي إلى بداية الاستتابة قبل القتال، لكنْ مال ابنُ بطَّالٍ إلى خلافه كما سيأتي، والمسألة خلافيَّة شهيرة بُسطت في «الأوجز»، ففيه في قوله صلعم: ((مَنْ غَيَّرَ دِينَهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ)) خمسة أبحاث:
          الأوَّل: في الاستتابة، وسيأتي مبسوطًا، البحث الثَّاني: إذا ثبت وجوب الاستتابة، فاختلفوا في مدَّته، الثَّالث: في قَبول توبته، الرَّابع: هل تدخل فيه المرأة المرتدَّة أم لا؟ وسيأتي في البخاريِّ في بابٍ مفرد، الخامس: هل يختصُّ هذا الحكم بالارتداد عن الإسلام أو يعمُّ الانتقال مِنْ دِين كفرٍ إلى دِين كفرٍ آخر؟ أمَّا الأوَّل وهو مقصود البخاريِّ عندي ففي «الأوجز»: قوله: (مَنْ غَيَّرَ دِينَهُ...) الحديث أوَّله بعضهم بأنَّ المراد بعد الاستتابة، وقال بعضهم: إنَّه محمول على الزِّنديق، وأنَّه لا يستتاب، وعليه حمله الإمام مالك، وقالَ ابنُ بطَّالٍ: اختُلف في استتابة المرتدِّ فقيل: يُستتاب، فإنْ تاب وإلَّا قُتل، وهو قول الجمهور، وقيل: يجب قتلُه في الحال، وبه قال الحسن وأهل الظَّاهر، وعليه يدلُّ تصرُّف البخاريِّ، فإنَّه استظهر بالآيات الَّتي(2) لا ذكر فيها للاستتابة، وبعموم قوله: (مَنْ غَيَّرَ دِينَهُ فاقتلوه(3)).
          قالَ الطَّحاويُّ: ذهب هؤلاء إلى أنَّ حكم مَنِ ارتدَّ عن الإسلام حكمُ الحربيِّ الَّذِي بلغته الدَّعوة، فإنَّه يقاتَل مِنْ قَبْلِ أنْ يُدْعَى، وفي «المحلَّى»: قالَ النَّوويُّ: أجمعوا على قتله، واختلفوا في استتابته، فقال الأئمَّة الأربعة والجمهور: إنَّه يُستتاب، ونقل ابن القصَّار إجماع الصَّحابة عليه، وقال أبو يوسف وابن الماجِشون وغيرهما: لا يُستتاب.
          قلت: المعروف عن المالكيَّة وجوب الاستتابة، صرَّح به الزُّرقانيُّ في «شرح الموطَّأ» كما في «الأوجز». وعن الحنفيَّة استحبابها كما في «الهداية» وغيره. قال صاحب «الهداية»: وعن الشَّافعيِّ أنَّ على الإمام أن يؤجِّله ثلاثة أيَّام، ولا يحلُّ له أن يقتله قبل ذلك. انتهى.
          قالَ ابنُ الهمام: الصَّحيح مِنْ قولَي الشَّافعيِّ أنَّه إن تاب في الحال وإلَّا قُتل. انتهى.
          قالَ ابنُ قدامة في «المغني»: لا يُقتل المرتدُّ حَتَّى يُستتاب ثلاثًا، وهذا قول [أكثر] أهل العِلم، منهم مالكٌ والثَّوريُّ والأَوْزاعيُّ وإسحاقُ وأصحاب الرَّأي، وهو أحد قولَي الشَّافعيِّ ، ورُوي عن أحمد رواية أخرى أنَّه لا تجب استتابته، لكن تُستحبُّ، وهذا القول الثَّاني للشَّافعيِّ لقوله صلعم: (مَنْ غَيَّرَ دِينَهُ فاقتلوه(4)) ولم يذكر استتابته، ثمَّ قالَ: وإذا ثبت وجوب الاستتابة فمدَّتها ثلاثة أيَّام، رُوي ذلك عن عمر ☺ ، وبه قالَ مالكٌ وأصحاب الرَّأي، وهو أحد قولَي الشَّافعيِّ ، وقال في الآخر: إن تاب في الحال وإلَّا قُتل مكانه، وهذا أصحُّ قوليه. انتهى.
          ذكر المصنِّف هاهنا أربعة أحاديث، قالَ العينيُّ: مطابقتها بالتَّرجمة_أي بقوله (إثم مَنْ أشرك بالله...) إلى آخره_ ظاهرةٌ، وقال تحت حديث ابن مسعود والحديث(5) الرَّابع مطابقته للتَّرجمة تُؤخذ مِنْ قولِه: (ومَنْ أساء في الإسلام أُخذ بالأوَّل والآخِر) لأنَّ منهم مَنْ قال: المراد بالإساءة في الإسلامِ الارتدادُ مِنَ الدِّين، فيدخل في قوله: (في إثم مَنْ أشرك بالله). انتهى.
          قالَ الحافظُ: قالَ ابنُ بطَّالٍ: الآية الأولى دالَّة(6)_أي قوله {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13]_ دالَّة على أنَّه لا إثم أعظمُ مِنَ الشِّرك، وأصل الظُّلم وضعُ الشَّيء في غير موضعه، فالمشرك أصلٌ مِنْ وضع الشَّيء في غير موضعه، لأنَّه جعل لمن أخرجه مِنَ العدم إلى الوجود مساويًا، فنسب النِّعمة إلى غير المنعم بها.
          وبسط الحافظ الكلام على تفسير الآية الثَّانية قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام:82]، ونقل عن الطِّيبيِّ أنَّه قال: وأمَّا معنى اللَّبْس: فلَبْسُ الإيمان بالظُّلم أن يصدِّق بوجود الله، ويخلط به عبادةَ غيره، ويؤيِّده قوله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف:106]، وعُرف بذلك مناسبة ذكرها(7) في أبواب المرتدِّ، وكذلك الآية الَّتي صدَّر بها. /


[1] قوله: ((المرتدين)) ليس في (المطبوع).
[2] في (المطبوع): ((للتي)).
[3] في (المطبوع): ((من بدل دينه)).
[4] في (المطبوع): ((من بدل دينه فاقتلوه)).
[5] في (المطبوع): ((الحديث)) بلا واو.
[6] قوله: ((دالة)) ليس في (المطبوع).
[7] في (المطبوع): ((مناسبة ذكر هذه الآية)).