الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب قول الله تعالى: {ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام}

          ░37▒ (باب: قول الله ╡: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة:196])
          أي: تفسير قوله، وذلك(1) في / الآية إشارة إلى التَّمتُّع لأنَّه سَبَق ذِكره، واختلف السَّلف في المراد بـ{حَاضِرِي الْمَسْجِدِ} فقيل: هم أهلُ مكَّة بعينها، وهو قول مالك، واختاره الطَّحَاوي، وقال طاوس وطائفة: هم أهل الحَرَم وهو الظَّاهر، وقال مكحول: مَنْ كان منزله دون المواقيت، وهو قول الشَّافعيِّ في القديم، وقال في الجديد: مَنْ كان مِنْ مكَّة على دون مسافة القصر، ووافقه أحمدُ(2). انتهى.
          قلت: ومذهب الحنفيَّة كقول الشَّافعيِّ في القديم، كما في «حاشية الهنديَّة».
          وقالَ السِّنْديُّ تحت الباب: يحتمل وجهين:
          أحدهما: أنَّ اسم الإشارة إشارة إلى التَّمتُّع، والمعنى: التَّمتُّع مباح أو مشروع لغير المكِّيِّ، وبه قال الحنفيَّة، وإليه يشير كلام ابن عبَّاس، فإيراد المصنِّف يدلُّ على أنَّه اختار هذا التَّفسير.
          والثَّاني: أنَّه إشارة إلى وجوب الدَّم أو الصَّوم، والمعنى وجوبُ أحد الأمرين على غير المكِّيِّ، وأمَّا المكِّيُّ فإذا تمتَّع فلا يجب عليه شيء، وبه قال الجمهور، ويؤيِّده قرب المشار إليه.
          ويؤيِّد الأوَّلَ اللَّامُ في قوله: {لِمَنْ لَمْ يَكُنْ} [البقرة:196]، فإنَّ المناسب بالمعنى الثَّاني كلمة: على، وهذا التَّأييد أقوى مِنْ تأييد قرب المشار إليه، وكأنَّه لهذا مال المصنِّف إلى ترجيحه، والله أعلم. انتهى.
          ويحتمل عندي في غرض المصنِّف بالتَّرجمة أنَّه أراد تفسير الأهل وحاضري المسجد بأنَّ المراد به: التَّوطُّن لا مُطْلق الحضور كما يتوهَّم بلفظ: {حَاضِرِي الْمَسْجِدِ} [البقرة:196] فإنَّ الأزواج المطهَّرات ونساء الصَّحابة ♥ كنَّ معهم في السَّفر، ومع ذلك تمتَّعوا.
          قوله: (وصوم ثلاثة أيَّام) اعلم أنَّ المتمتِّع إذا لم يجد الهَدْيَ فعليه صيام عشرة أيَّام، وكذا حُكمُ القَارن، يصوم ثلاثة أيَّام في الحجِّ وسبعةً إذا رجع، واختلف أهل العِلم في المراد بالحجِّ، وفي المراد بالرُّجوع كما بسط في محلِّه، ثمَّ لكلِّ واحد مِنْ صوم الثَّلاثة والسَّبعة وقتان: وقت الجواز ووقت الاستحباب، أمَّا في الثَّلاثة فوقت الاستحباب عندنا الحنفيَّة وأحمد ومالك: آخره يوم عرفة، وقَبْله بيومٍ عند الشَّافعيِّ، وأمَّا وقت الجواز فبعد إحرام العُمْرَة عندنا وأحمد، وعنه بعد الحِلِّ مِنَ العُمْرَة، وبعد إحرام الحجِّ عند مالكٍ والشَّافعيِّ، وأمَّا وقت السَّبعة فبعد أيَّام التَّشريق عندنا ومالك، وبعد الرُّجوع إلى الأهل عند الشَّافعيِّ حتَّى لا تجوز في الطَّريق، وأمَّا عند أحمد فالأوَّل وقت الجواز والثَّاني وقت الاستحباب، كذا في «هامشي على البذل».
          والبسط في «الأوجز»، وفي «هامش النُّسخة الهنديَّة»: قالَ العَينيُّ: والمستحبُّ في السَّبعة أن يكون صومها بعد رجوعه إلى أهله إذ جواز ذلك مُجْمع عليه، ويجوز إذا رجع إلى مكَّة بعد أيَّام التَّشريق في مكَّة وفي الطَّريق وهو قول مالك، وللشَّافعيِّ أربعة أقوال: أصحُّها عند رجوعه إلى أهله. انتهى.
          وقال أبو حنيفة: الرُّجوع هو الفراغ مِنْ أفعال الحجِّ كذا في الكَرْمانيِّ. انتهى مِنَ «الهامش».


[1] في (المطبوع): (({ذَلِكَ})).
[2] فتح الباري:3/434 مختصرا