الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

كتاب الشركة

           ░░47▒▒ <كتاب الشَّرِكة>
          هكذا في «نسخة الفتح» والعينيِّ و«نسخة الحاشية»، وأمَّا متن «النُّسخ الهنديَّة» وكذا في «نسخة القَسْطَلَّانيِّ» ففيهما: <باب: الشَّرِكة في الطَّعام والنِّهد...> إلى آخره.
          قال الحافظ: والشَِّرِْكة: بفتح المعجمة وكسر الرَّاء، وبكسر أوَّلِه وسكون الرَّاء، وقد تُحذف الهاء، وقد يُفتح أوَّلُه مع ذلك، فتلك(1) أربع لغات، وهي لغةً: الاختلاط، وشرعًا: ما يحدث بالاختيار بين اثنين فصاعدًا مِنَ الاختلاط بتحصيل الرِّبح، وقد تحصل بغير قصد كالإرث.
          وقالَ العَينيُّ: وهي على نوعين:
          النَّوع الأول (2): شركة المِلك: وهي أن يملك اثنان عينًا، أو إرثًا، أو شراءً، أو هبةً، أو مِلكًا بالاستيلاء، أو اختلط مالهما بغير صنع، فكلُّ هذا شركة مِلك وكلُّ واحد منهما أجنبيٌّ في قسط صاحبه.
          والنَّوع الثَّاني: شركة العقد وهي أن يقول أحدهما: شاركتك في كذا، وهي على أربعة أنواع: مفاوضة، وعنان، وتقبُّل، وشركة وجوه، وبيانها في الفروع.
          وذكر العلَّامة القَسْطَلَّانيُّ: تعريف كلِّ واحد مِنْ هذه الأربعة. /
          ░1▒ (باب: الشَّرِكة في الطَّعَام والنِّهد)
          قال الحافظ: قوله: (الشَّرِكة في الطَّعام والنِّهد) أمَّا الطعام: فسيأتي القول فيه في باب مفرد، وأمَّا النِّـَهد_هو بكسر النُّون وبفتحها_: إخراج القوم نفقاتهم على قدر عدد الرُّفقة، يقال: تناهدوا، وناهد بعضُهم بعضًا، قاله الأزهريُّ، وقال الجَوهريُّ نحوَه، لكن قال: على قَدْر نفقة صاحبه، وقال عِياض مثلَ قول الأزهريِّ إلَّا أنَّه قيَّده بالسَّفر والخلط ولم يقيِّده بالعدد، والمعروف أنَّه خلط الزَّاد في السَّفر، وقد أشار إلى ذلك المصنِّف في التَّرجمة حيث قال: يأكل هذا بعضًا وهذا بعضًا.
          قوله: (والعُروض)_بضمِّ أوله_: جمع عَرْض بسكون الرَّاء، مقابل النَّقد، وأمَّا بفتحها فجميع أصناف المال، وما عدا النَّقد يدخل فيه الطَّعام، فهو مِنَ الخاصِّ بعد العامِّ، ويدخل فيه الرِّبَوِيَّات، ولكنَّه اغتُفر في النِّهد لثبوت الدَّليل على جوازه، واختلف العلماء في صحَّة الشَّرِكة، كما سيأتي.
          قوله: (وكيف قسمة ما يُكال ويوزن؟) أي: هل يجوز قسمته(3) مجازفة أو لا بدَّ مِنَ الكيل في المَكيل والوزن في الموزون؟ وأشار إلى ذلك بقوله: (مجازفة أو قبضة قبضة) أي: متساوية.
          قوله: (لِمَا لم يرَ المسلِمون...) إلى آخره بكسر اللَّام وتخفيف الميم وكأنَّه أشار إلى أحاديث الباب، وقد ورد التَّرغيب في ذلك، رُوي عن الحسن أنَّه قال: أخرجوا نهدكم، فإنَّه أعظم للبركة وأحسن لأخلاقكم. انتهى كلُّه مِنَ «الفتح».
          وكتب الشَّيخ في «اللَّامع»: قوله: (لِمَا لم يرَ...) إلى آخره، يعني بذلك أنَّ الظَّاهر وإن كان عدم جوازه لِما بين أفراد الآكلين مِنْ تفاوتٍ غير يسير، فمِنْ مقلٍّ في الأكل ومِنْ مكثر فيه غير أنَّ العُرف جارٍ بإهدار هذا التَّفاوت في الشُّركاء. انتهى.
          قوله: (وكذلك مجازفة الذَّهب والفضَّة) قال الحافظ: كأنَّه ألحق النَّقد بالعرْض للجامع بينهما، وهو الماليَّة، لكنْ إنَّما يتمُّ ذلك في قسمة الذَّهب مع الفضَّة، أمَّا قسمة أحدهما خاصَّة حيث يقع الاشتراك في الاستحقاق فلا يجوز إجماعًا، قاله ابن بطَّالٍ.
          وقالَ ابن المنيِّر: شرط مالك في منعه أن يكون مصكوكًا، والتَّعامل فيه بالعدد، فعلى هذا يجوز بيع ما عداه جزافًا، ومقتضى الأصول منعه، وظاهر كلام البخاريِّ جوازه، ويمكن أن يُحتجَّ له بحديث جابر في مال البحرين، والجواب عن ذلك أنَّ قسمة العطاء ليست على حقيقة القسمة لأنَّه غير مملوك للآخذين قبل التَّمييز. انتهى.
          وفي «الفيض»: ذهب البخاريُّ إلى جواز قسمة المَكيلات والموزونات في النِّهد مجازفة، وهذه التَّرجمة إحدى التَّرجمتين اللَّتين حَكم عليهما ابن بطَّالٍ أنَّهما خلاف الإجماع، وقد مرَّ معنا الجواب أنَّها ليست مِنْ باب المعارضات الَّتي تجري فيها المماكسة، أو تدخل تحت الحكم، وإنما هي مِنْ باب التَّسامح والتَّعامل، وقد جرى به التَّعامل مِنْ لَدُنْ عهدِ النُّبوَّة إلى يومنا هذا. انتهى مختصرًا.
          ويأتي(4) في كتاب الأطعمة تبويبُ المؤلِّف بالنِّهد والاجتماع على الطَّعام.


[1] في (المطبوع): ((فهي)).
[2] قوله: ((النوع الأول)) ليس في (المطبوع).
[3] في (المطبوع): ((قسمة)).
[4] في (المطبوع): ((وسيأتي)).