الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب فضائل المدينة

          ░░29▒▒ باب(1) فضائل المدينة
          وتأتي روايات كثيرة مِنْ هذا الباب في كتاب الاعتصام في أواخر البخاريِّ في (باب: ما ذَكَرَ النَّبيُّ صلعم / وحضَّ على اتِّفاق أهل العِلمِ، وما اجتَمَع(2) عليه الحَرَمان مكَّة والمدينة، وما كان بهما مِنْ مشاهد النَّبيِّ صلعم والمهَاجِرينَ والأنصارِ، ومُصلَّى النَّبيِّ صلعم، والمِنْبَر، والقَبْر الشَّريف).
          قال الحافظ: المدينة عَلَمٌ على البلدة المعروفة الَّتِي هاجر إليها النَّبيُّ صلعم ودُفن بها، وإذا أُطلقت تبادر إلى الفهم أنَّها المراد، فإذا أُريدَ غيرُها فلا بدَّ مِنْ قَيد، وكان اسمها قبل ذلك يَثْرِب، قيل: سُمِّيت بيَثْرِبَ بن قَانِيَة مِنْ ولد إرَمَ بن سَام بن نوح لأنَّه أوَّل مَنْ نزلها، وقيل: غير ذلك، ثمَّ سمَّاها النَّبيُّ صلعم طابة وطيبة كما سيأتي في باب مفرد، وكان سكَّانها العَماليق، ثمَّ نزلها طائفة مِنْ بني إسرائيل، قيل: أرسلهم موسى ╕، ثمَّ نزلها الأوس والخزرج لمَّا تفرَّق أهل سبأ بسبب سَيْل العَرِم(3). انتهى مِنْ «هامش اللَّامع».
          ░1▒ (باب: حَرَم المدينة)
          كتبَ الشَّيخ في «اللَّامع» أي: إثبات أنَّها محترمة، ودِلالة الرِّواية الثَّانية على هذا المعنى غير ظاهرة، إلَّا أن يقال: إقامة النَّبيِّ صلعم هناك وبناء المسجد فيها، إلى غير ذلك [ممَّا] يدلُّ على حرمتها. انتهى.
          وفي «هامشه»: وبذلك جزم عامَّة الشُّرَّاح.
          قالَ العَينيُّ: باب: في بيان فضل حَرَم المدينة. انتهى.
          وتبعه القَسْطَلَّانِي، وسكت عنه الحافظ.
          والأوجه عند هذا العبد الفقير أنَّ الإمام البخاريَّ أشار به إلى مسألة خلافيَّة شهيرة، وهو اختلافهم في أنَّ حَرَم المدينة كحرم مكَّة أو حكمُهما مختلف؟ ولم يجزم الإمام بالحكم في التَّرجمة كعادته في المسائل المختَلف فيها عند الأئمَّة، وكذا في المسائل الَّتِي اختَلفت فيه الرِّوايات، ولم يترجَّح عنده إحداها، وهما أصلان معروفان مطَّردان مِنَ الأصول المتقدِّمة في المقدِّمة، وبسط الكلام على المسألة في «الأوجز» مع بسط الدَّلائل.
          قالَ العَينيُّ بعد حديث أنس: احتجَّ به الشَّافعيُّ ومالك وأحمد وإسحاق، فقالوا: المدينة لها حَرَم، فلا يجوز قطع شجرها ولا أخذُ صيدها، ولكنَّه لا يجب الجزاء عندهم خلافًا لابن أبي ذئب فإنَّه قال: يجب الجزاء، وكذلك لا يحلُّ سلب مَنْ فعل ذلك عندهم إلَّا عند الشَّافعيِّ في القديم إذ قال: مَنِ اصطاد في المدينة صيدًا أُخذ سلبُه.
          وقالَ الثَّوريُّ وابن المبارك وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمَّد: ليس للمدينة حَرَم كما كان لمكَّة، فلا يُمنع أحد عن أخذ صيدها وقطعِ شجرها، وأجابوا عن الحديث المذكور بأنَّه صلعم أراد بذلك بقاء زينة المدينة ليستطيبوها ويألفوها، وذلك كمنعه صلعم مِنْ هدم آطام المدينة، وقال: ((إنَّها زينة المدينة)) على ما رواه الطَّحَاوِيُّ بإسناد صحيح، ثمَّ ذكر الطَّحَاوِيُّ دليلًا على ذلك مِنْ قوله صلعم: ((يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟))(4)... إلى آخر ما بسط العينيُّ. انتهى مِنْ «هامش اللَّامع» مختصرًا.
          قال الحافظ: ذكر المصنِّف هنا أربعة أحاديث، ورتَّبها ترتيبًا حسنًا، ففي حديث أنسٍ التَّصريحُ بكون المدينة حَرَمًا، وفي حديثه الثَّاني تخصيصُ النَّهي عن قطع الشَّجر بما لا يُنبِتُه الآدميُّون، وفي حديث أبي هريرة بيان ما أُجمل مِنْ حدِّ حرمها في حديث أنس حيث قال كذا وكذا، فبيَّن في هذا أنَّه ما بين الحرَّتين، وفي حديث عليٍّ زيادة تأكيد التَّحريم، وبيان حدِّ الحرم أيضًا. انتهى.


[1] في (المطبوع): ((أبواب)).
[2] في (المطبوع): ((أجمع)).
[3] فتح الباري:4/82 مختصرا
[4] عمدة القاري:10/229 مختصرا