الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

كتاب الإجارة

          ░░37▒▒ كتاب الإجارة
          قال الحافظ: الإجارة بكسر أوله على المشهور وحُكي ضمُّها، وهي لغة: الإثابة، واصطلاحًا: تمليكُ منفعةِ رقبةٍ بعِوض. انتهى.
          اعلم أنَّ التَّمليك على نوعين:
          الأول(1): ما يتعلَّق بالعين.
          والثَّاني: ما يتعلَّق بالمنفعة، وكلُّ واحد منهما إمَّا بعِوَض أو بغير عِوَض، فتمليك العين بالعِوَض هو البيع، وبغير العِوَض هو الهبة، وتمليك المنفعة بعِوَض إجارةٌ، وبغير عِوَض إعارةٌ، كذا يُستفاد مِنَ «الهداية» و«حواشيه».
          وبسط الكلام على مباحث الإجارة صاحبُ «البدائع» وقال: الكلام في هذا الكتاب يقع في سبع مواضع، ثمَّ ذكرها.
          وقال أيضًا: الإجارة جائزة عند عامَّة العلماء، وقال أبو بكر الأصمُّ: إنَّها لا تجوز، والقياس ما قاله لأنَّ الإجارة بيع المنفعة، والمنافع للحال معدومة، والمعدوم لا يحتمل البيع، فلا يجوز إضافة البيع إلى ما يؤخذ في المستقبل كإضافة البيع إلى أعيان تؤخذ في المستقبل، فإذن لا سبيل إلى تجويزها باعتبار الحال ولا باعتبار المآل، فلا جواز لها رأسًا، لكنَّا استحسنَّا الجواز بالكتاب والسُّنة والإجماع(2)... إلى آخر ما بسطه.
          ░1▒ (باب: استئجار الرَّجل الصَّالح...) إلى آخره
          قال القَسْطَلَّانيُّ: فيه إشارة إلى قطع وهمِ مَنْ لعلَّه يتوهَّم أنَّه لا ينبغي / استئجار الصَّالحين في الأعمال والخدم لأنَّه امتهان لهم، قاله ابن المنيِّر.
          (وقول الله تعالى) بالجرِّ عطفًا على السَّابق، وبالرَّفع على الاستئناف، وأشار بذلك إلى قصَّة موسى ╕ مع ابنة شعيب في سقيه المواشي و(مَنْ لم يستعمل) أي: مِنَ الأئمَّة (مَنْ أراده) أي: لا يفوَّض الأمر إلى الحريص على العمل لأنَّه لحرصه لا يُؤمَّن، وهذان الجزءان مِنْ جملة التَّرجمة، وقد ساق لكلٍّ منهما حديثًا(3). انتهى.
          قال الحافظ: قال الإسماعيليُّ: ليس في الحديثين جميعًا معنى الإجارة.
          وقال الدَّاوديُّ: ليس حديث الخازن الأمين مِنْ هذا الباب لأنَّه لا ذكر للإجارة فيه.
          وقال ابن التِّينِ: وإنَّما أراد البخاريُّ: أنَّ الخازن لا شيء له في المال، وإنَّما هو أجير.
          وقال ابن بطَّالٍ: إنَّما أدخله في هذا الباب لأنَّ مَنِ استُؤجر على شيء فهو أمين فيه، وليس عليه في شيء منه ضمان إن فسد أو تَلِف إلَّا إن كان ذلك بتضييعه.
          وقالَ الكَرْمانيُّ: دخول هذا الحديث في باب الإجارة للإشارة إلى أنَّ خازن مال الغير كالأجير لصاحب المال.
          وأمَّا دخول الحديث الثَّاني في الإجارة فظاهر مِنْ جهة أنِّ الَّذِي يَطلب العمل إنَّما يطلبه غالبًا لتحصيل الأجرة الَّتِي شُرعت للعامل، والعمل المطلوب يشمل العمل على الصَّدقة في جمعها وتفرقتها في وجهها، وله سهم منها كما قال الله تعالى: {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [التوبة:60] فدخوله في التَّرجمة مِنْ جهة طلب الرَّجلين أن يستعملهما النَّبيُّ صلعم على الصَّدقة أو غيرها، ويكون لهما على ذلك أجرةٌ معلومة(4). انتهى.
          قلت: ولا يبعد عند هذا العبد الضَّعيف أنَّ إدخال الحديث الثَّاني في الباب مِنْ حيثُ إنَّ طلب(5) العمل علامة لكونه غيرَ صالح، فقد ورد حديث الباب عند أبي داود مِنْ زيادة قوله صلعم: ((إِنَّ أَخْوَنَكم عِندنَا مَنْ طَلَبَهُ)).
          ثمَّ لا يذهب عليك ما أفاده الشَّيخ قُدِّس سرُّه ولله درُّه! إذ قال: ثمَّ إنَّ الأدب في ذلك ألَّا يُستعمل الطَّالب على ما فيه مظنَّة الخيانة وشبهة عدم القيام بالأمر الَّذِي نيط به، وأنَّه لا يأتي به على وجه(6)، وليس المراد أنَّ كلَّ طالبِ عملٍ لا يُستعمل، كيف ولو كان المراد ذلك لانسدَّ باب الأعمال والإجارات، فإنَّ الأُجَراء قلَّما يُتَفطَّن لهم أنَّهم أُجَراء إلَّا إذا طلبوا وأظهروا ذلك مِنْ أنفسهم مع أنَّ يوسف ╕ طلب العمل مِنْ نفسه حيث رأى أنَّه قويٌّ على ذلك فقال: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف:55] وقد سأل بعضُ أصحاب النَّبيِّ صلعم الإمامةَ، فقال: اجعلني إمام قومي، فقال: ((أنْتَ إمامُهُمْ واقْتَدِ بأضْعَفِهِمْ)). انتهى.
          وذكر في «هامشه» مِنَ الرِّوايات ما يدلُّ على تأييد كلام الشَّيخ قُدِّس سرُّه.


[1] قوله: ((الأول)) ليس في (المطبوع).
[2] بدائع الصنائع:4/173
[3] إرشاد الساري:4/126 مختصرا
[4] فتح الباري:4/440
[5] في (المطبوع): ((طلبه)).
[6] في (المطبوع): ((وجهه)).