الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

كتاب العقيقة

           ░░71▒▒ كتاب العَقِيقَة
          بفتح العين المهملة، وهي لغةً: الشَّعر الَّذِي على رأس الولد حين ولادته، وشرعًا: ما يُذْبَح عند حلق شَعرِه، لأنَّ مذبحه يعقُّ، أي: يشقُّ ويقطع، ولأنَّ الشَّعر يُحْلَق إذ ذاك، وقال ابن أبي الدَّم: قال أصحابنا: يُستحبُّ تسميتُها نَسِيكةً أو ذَبِيحةً، وتُكْرَه تَسْمِيَتِها عَقِيقَةً، كما تُكْرَه تسمية العِشَاء عَتَمة، والمعنى فيها إظْهَارُ البِشْرِ والنِّعْمَة ونَشْرِ النَّسَب... إلى آخر ما ذَكَر العلَّامةُ القَسْطَلَّانيُّ في حكمها شرعًا.
          وفي «هامش اللَّامع»: بسط الكلام على هذا الباب في «الأوجز»، وذكر فيه عشرة أبحاث: الأوَّل: في لُغتها. والثَّاني: في حُكْمِها. والثَّالث: في وَقْتِها، وفيه أنَّه إذا فاتَ الوقتُ هل تُقْضَى أم لا؟ الرَّابع: هل تختصُّ بالذَّكَر أو تُسنُّ بالأنثى(1) أيضًا. والخامس: هل يفرَّق بين الذَّكَر والأُنْثَى بالشَّاة والشَّاتين أو هي شاةٌ شاةٌ لكلٍّ منهما؟ والسَّادس: هل تختصُّ بالشَّاة أو تكون مِنَ البقر والإبل أو الشَّراكة(2) فيهما أيضًا؟ والسَّابع: هل يُشْتَرط فيها ما يُشْتَرط في الضَّحَايا؟ والثَّامن: المكَلَّف بها الوالدُ خاصَّة أو غيره أيضًا؟ ويدخل فيه أنَّه إذا لم يُعَقَّ عن الصَّغير هل يَعُقُّ عن نفسه بعد البلوغ؟ التَّاسع: هل يَكسر عظامها في الطَّبخ أم لا؟ العاشر: هل يُلَطَّخُ رأس الصَّبيِّ بدم العقيقة أم لا؟ فهذه عشرة أبحاث بَسط الكلام عليها في «الأوجز» مفصَّلًا.
          أمَّا البحث الثَّاني: فقد اختَلف العلماء في حكمها على مذاهب: أوَّلُها: أنَّها واجبة، وهو مذهب الليث وداود وأبي الزِّناد، وهو رواية عن أحمد ورُويَ عن الحسن وأهل الظَّاهر، وقال ابن حزم: هو فرضٌ واجبٌ يُجْبَر الإنسان عليه إذا فضل مِنْ قوتِه مقدارُها.
          القول الثَّاني: أنَّها سنَّة مؤكَّدة، حكاها شارح «الإقناع» مِنْ فروع الشَّافعيَّة، وهو مقتضى كلام صاحب «الرَّوض المربع» مِنْ فروع الحنابلة، وبه جزم صاحب «نيل المآرب» منهم، وحكاه ابن عابدين أيضًا عن الشَّافعيِّ وأحمد.
          الثَّالث: النَّدب جزم به الدَّرْدِير، وهو نصُّ الإمام مالكٍ في «الموطَّأ».
          واختَلفت الرِّوايات في ذلك عن الحنفية، والمعروف في فروعهم أنَّها مندوبة، وهو الصَّواب. والثَّانية: أنَّها مباحة. والثَّالثة: أنَّها بدعة، وأنكرها العينيُّ وبسط الكلام على ردِّ هذا القول، وأثبت الاستحباب في «الأوجز». انتهى مِنْ «هامش اللَّامع». وفي «الفيض»: وهي مستحبَّة، كما في «العَالمكَيرية»، وفي «البدائع» أنَّها منسوخة.
          قلت: وإنَّما حملته عليه عبارة محمَّد في «موطَّئه» قال محمَّد: العقيقة بلغنا أنَّها كانت في الجاهلية، وقد جُعلت في أوَّل الإسلام، ثمَّ نَسَخَ الأَضْحَى كلَّ ذبح كان قبله... إلى آخر ما قال.
          قالَ العلَّامةُ القَسْطَلَّانيُّ: والأصل فيها الأحاديث كحديث: ((الغلامُ مُرتَهنٌ بعقِيقَتِهِ تُذْبَح عنه يوم السَّابع وَيُحْلَق رأسه)) رواه التِّرْمِذيُّ، وقال: حسن صحيح، وعند البزَّار عن ابنِ عبَّاسٍ مرفوعًا: ((للغلام عقيقتان، وللجارية عقيقة)) وقال: لا نعلمه بهذا اللَّفظ إلَّا بهذا الإسناد. [انتهى]
          وقالَ الحافظُ: ووقع في عدَّة أحاديث ((عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة)). انتهى.


[1] في (المطبوع): ((للأنثى)).
[2] في (المطبوع): ((الشركة)).