الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب التمتع والإقران والإفراد بالحج

          ░34▒ (باب: التَّمتُّع والإقران والإفراد...) إلى آخره
          قال الحافظ: أمَّا المتمتع(1) فالمعروف أنَّه الاعتمار في أشهر الحجِّ، ثمَّ التَّحلُّل مِنْ تلك العُمْرَة والإهلال بالحجِّ في تلك السَّنة، ويطلق التَّمَتُّع في العرف على القِران أيضًا.
          قالَ ابنُ عبد البرِّ: لا خلاف بين العلماء أنَّ التَّمَتُّع المراد بقوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة:196]، أنَّه الاعتمار في أشهر الحجِّ قَبْل الحجِّ، قال: ومِنَ التَّمَتُّع أيضًا القِران لأنَّه تمتَّع بسقوط سفر للنُّسك الآخر مِنْ بلده، ومِنَ التَّمَتُّع فسخُ الحجِّ أيضًا إلى العُمْرَة. انتهى.
          وأمَّا القِران فوقع في رواية أبي ذرِّ <الإقران> _بالألف_ وهو خطأ(2).
          وهكذا قالَ العَينيُّ(3) والقَسْطَلَّانِيُّ، وأشار القَسْطَلَّانِيُّ:(4) إلى أنَّ المصنِّف لعلَّه يقصد(5) المشاكلة بين الإقران والإفراد.
          قلت: اتِّفاقهم على تخطئة البخاريِّ عجيب، فإنَّ الأمرين(6) ثابت في اللُّغة، وقد ترجم الإمام أبو داود: باب: في الإقران، وكتب شيخنا في «البذل»: وفي نسخة: <القِرَان>، هما(7) بمعنى، قال في «القاموس»: قَرَن بين الحجِّ والعُمْرَة قِرَانًا: جَمَع، كَأقْرَنَ(8). انتهى.
          قال ابن الأثير تحت قوله: نهى عن القِران، ويُروى: عن الإقران، قالَ الشَّيخ: فإذا رُوي الإقران في كلام الفصيح كيف(9) يقال: إنَّه غلط(10). انتهى(11) (12) مِنْ حيثُ اللُّغة.
          وصورته الإهلال بالحج والعُمْرَة معًا، وهذا لا خلاف في جوازه، أو الإهلال بالعُمْرَة، ثمَّ يُدخِل عليها الحجَّ أو عكسه وهذا مختلف فيه.
          وأمَّا الإفراد: فالإهلال بالحجِّ / وحده في أشهره عند الجميع، وفي غير أشهرِه أيضًا عند مَنْ يجيزه، والاعتمار بعد الفراغ مِنْ أعمال الحجَّ لِمَنْ شاء.
          وأمَّا فسخ الحجِّ: فالإحرام بالحجِّ ثمَّ يتحلَّل منه بعمل عُمْرَة، فيصير متمتِّعًا، وفي جوازه اختلاف، وظاهر تصرُّف المصنِّف إجازته، فإنَّ تقدير التَّرجمة: باب: مشروعيَّة التَّمتُّع... إلى آخره، ويحتمل أن يكون التَّقدير باب: حكمِ التَّمتُّع... إلى آخره، فلا يكون فيه دلالةٌ على أنَّه يجيزه. انتهى.
          قلت: الظَّاهر الأوَّل إذ أورد(13) فيه حديث الفسخ لا تخصيص الفسخ بزمانه صلعم، كما أشار إلى التَّخصيص فيما سبق مِنْ (باب: مَنْ أهلَّ في زمنه صلعم...) إلى آخره، لكن لم يرضَ به العينيُّ.
          وأمَّا ما أشار إليه الحافظ في صورة القِران بقوله: (أو عكسه) وهذا مختلف فيه فهي مسألة خلافيَّة.
          قالَ العَينيُّ: اتَّفق العلماء على جواز إدخال الحجِّ على العُمْرَة، واختلفوا في عكسه، فجوزه أبو حنيفة والشَّافعيُّ في القديم، ومنعه آخرون، وقالوا: كان خاصًّا به صلعم، ودعوى الخصوصيَّة تحتاج إلى دليل. انتهى.
          وممَّا ينبغي أن يُعلَم أنَّ الأئمَّة الأربعة _شكر الله سعيهم_ اختلفوا في فضل(14) أنواع النُّسك، وهي ثلاثة على المشهور: القِران، التَّمَتُّع، الإفراد، واتَّفقت الأئمَّة الأربعة على جوازها، والنَّوع الرَّابع فسخُ الحجِّ إلى العُمْرَة، وذكر هذه الأربعةَ البخاريُّ في هذه التَّرجمة، وهذا الأخير هو المرجَّح عند الحنابلة كما بسط في «حاشية اللَّامع» لكن في «الأوجز»: في بيان المذاهب عن الإمام أحمد في ذلك روايتان: أفضليَّة التَّمتُّع، ثمَّ الإفراد، ثمَّ القران.
          والثَّانية: إن ساق الهدى(15) فالقِرانُ أفضلُ، وإن لم يَسُق فالتَّمتُّع أفضل، ومختار المالكيَّة كما في فروعهم أفضليَّة الإفراد، ثمَّ القِران، ثمَّ التَّمَتُّع، وعن الشَّافعيَّة في ذلك ثلاث روايات ذكرها النَّوويُّ وقال: والصَّحيح تفضيل الإفراد، ثمَّ التَّمَتُّع، ثمَّ القِران، وهكذا في عامَّة فروعهم، لكنَّ أفضليَّة الإفراد عندهم مشروطة بأن يعتمر في هذه السَّنة، وإلَّا فهما أفضل منه، كما صرَّح به شارح «الإقناع» وغيرُه، ومختار الحنفيَّة: القِران، ثمَّ التَّمتُّع، ثمَّ الإفراد... إلى آخر ما بسط في «الأوجز». انتهى مِنْ «جزء حجَّة الوداع» مختصرًا.
          قوله: (تصير الآن حجَّتك مكِّيَّة) قال الحافظ: يعني: قليلة الثَّواب بقِلَّة مَشَقَّتها، وقال ابن بطَّالٍ: معناه أنَّك تنشئ حجَّك مِنْ مكَّة كما ينشئ أهلُ مكَّة منها، فيفوتك فضل الإحرام مِنَ الميقات. انتهى.
          وبسط الكلام عليه الشَّيخ في «اللَّامع» فارجع إليه.


[1] في (المطبوع): ((التمتع))
[2] فتح الباري:3/423
[3] عمدة القاري:9/195
[4] إرشاد الساري:3/127
[5] في (المطبوع): ((فعله بقصد)) بدل قوله: ((لعله يقصد)).
[6] في (المطبوع): ((الإقران))
[7] في (المطبوع): ((وهما))
[8] أنظر تاج العروس:35/541
[9] في (المطبوع): ((فكيف))
[10] بذل المجهود: ج.9/ص.3
[11] في (المطبوع): ((منه)) بدل قوله: ((انتهى)).
[12] قوله: (( وهكذا قال العيني ...... يقال إنه غلط انتهى)) ليس في متن (المطبوع) بل ورد في حاشية (المطبوع).
[13] في (المطبوع): ((إذا ورد))
[14] في (المطبوع): ((أفضل))
[15] في (المطبوع): ((الهدْيَ))