الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب التلبية

          ░26▒ (باب: التَّلبية)
          قالَ العَينيُّ: أي: هذا باب في بيان كيفيَّة التَّلبية. انتهى.
          قال صاحب «الفيض»: صرَّح عليٌّ القاري أنَّه يُستحبُّ الوقوف في كلمات التَّلبية في أربعة مواضع: لبَّيك اللَّهمَّ لبَّيك، لبَّيك لا شريك لك لبَّيك، إنَّ الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك.
          وفيه أيضًا: اعلم أنَّ الإحرام عندنا قوليٌّ وفعليٌّ، ونعني بالقوليِّ التَّلبيةَ، فإذا لبَّى ناويًا فقد أحرم، وبالفعليِّ أن يسوق الهدي ناويًا، فعُلم أنَّ المرء لا يصير مُحرِمًا بمجرَّد النِّيَّة ما لم يقترن معها قول أو فعل مخصوص بالحجِّ، ثمَّ لا يُشترط ذكر النُّسك أو النُّسُكين في التَّلبية، بل كفى له النِّيَّة. انتهى.
          ثمَّ اختلف العلماء في حكم التَّلبية، قال ابن رُشد: اتَّفقوا على أنَّ الإحرام لا يكون إلَّا بِنيَّة، واختلفوا أهل(1) تجزئ النِّيَّة [فيه] مِنْ غير التَّلبية؟ فقال مالك [و]الشَّافعيُّ: تجزئ النِّيَّة مِنْ غير التَّلبية، وقال أبو حنيفة: التَّلبية بالحجِّ كالتَّكبيرة في الإحرام بالصَّلاة، إلَّا أنَّه يجزئ عنده كلُّ لفظ يقوم مقام التَّلبية كما في افتتاح الصَّلاة عندهم.
          وقال ابن قدامة: يُستحبُّ للإنسان النُّطق بما أحرم به، فإن لم ينطق بشيء واقتصر على مجرَّد النِّيَّة كفاه في قول إمامنا ومالك والشَّافعيِّ، وقال أبو حنيفة: لا ينعقد بمجرَّد النِّيَّة حتَّى تنضاف إليه التَّلبية أو سَوق الهَدي. انتهى.
          وقال الحافظ: في التَّلبية أربعة مذاهب يمكن توصيلها إلى عشرة:
          الأوَّل: أنَّها سُنَّة لا يجب بتركها شيء، وهو قول الشَّافعيِّ وأحمد.
          والثَّاني: واجبة يجب بتركها دم، حكى(2) ذلك عن بعض الشَّافعيَّة ومالك وأبي حنيفة.
          قلت: هو مختار أصحاب الفروع مِنَ المالكيَّة.
          الثَّالث: واجبة لكن يقوم مقامها فعلٌ يتعلَّق بالحج، كالتَّوجُّه بالطَّريق، وبهذا صدَّر ابن شاش مِنَ المالكيَّة كلامه، وحكى صاحب «الهداية» مِنَ الحنفيَّة مثله. / الرَّابع: أنَّه ركن في الإحرام، حكى(3) ذلك عن الثَّوريِّ وأهل الظَّاهر وغيرهم. انتهى مختصرًا مِنْ «هامش اللَّامع».
          ثمَّ معنى التَّلبية: إجابة دعوة إبراهيم [◙] حين أذَّن بالنَّاس في الحجِّ، فقد رُوي عن ابن عبَّاس أنَّه قال: ((لمَّا فرغ إبراهيمُ على نبيِّنا و╕ مِنْ بناء البيت قيل له: أَذِّنْ في النَّاس بالحجِّ، قال: ربِّ وما يبلغ صوتي؟ قال: أذِّن وعليَّ البلاغ، قال: فنادى إبراهيم: يا أيَّها النَّاس! كُتب عليكم الحجُّ إلى البيت العتيق، فسمعه مَنْ بين السَّماء والأرض، أفلا ترَون أنَّ النَّاس يجيئون مِنْ أقصى الأرض يلبُّون؟)) وفي رواية عنه أيضًا، وفيه: ((فأجابوه بالتَّلبية في أصلاب الرِّجال وأرحام النِّساء، فليس حاجٌّ يحجُّ مِنْ يومِئذٍ إلى أنْ تقوم السَّاعة إلَّا مَنْ كان أجاب إبراهيمَ يومَئذٍ)).
          وقال ابن المنيِّر: وفي مشروعيَّة التَّلبية تنبيهٌ على إكرام الله تعالى لعباده بأنَّ وفودهم على بيته إنَّما كان باستدعاء منه سبحانه وتعالى(4)، كذا في «الفتح» مختصرًا.


[1] في (المطبوع): ((هل)).
[2] في (المطبوع): ((حُكي))
[3] في (المطبوع): ((حُكي)).
[4] فتح الباري:3/409 وما بعدها