الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب الطيب عند الإحرام وما يلبس إذا أراد أن يحرم ويترجل ويدهن

          ░18▒ (باب: الطِّيب عند الإحرام...)
          قد تقدَّم ما يتعلَّق به مِنَ الكلام في الباب السَّابق.
          قوله: (وما يلبس إذا أراد...) إلى آخره، الظَّاهر أنَّه عطف على الطِّيب، فيشكل بوجهين:
          الأوَّل: أنَّه سيأتي قريبًا مستقلًّا.
          والثَّاني: مِنْ حيثُ إنَّه لا تعلُّق له بالرِّواية وإن كان / عطفًا على الإحرام، فيندفع الإشكالان، لكن يشكل عليه حينئذ ذكرُ الآثار الواردة مِنَ التُّبَّان وغيره، فتدبَّرْ.
          وقوله: (يشمُّ الرَّيحان)، كتبَ الشَّيخ في «اللَّامع»: ولا يجوز عندنا شمُّه لكونه طِيبًا. انتهى.
          وفي «هامشه»: اختُلف فيه فقال إسحاق: يباح، وتوقَّف أحمد، وقالَ الشَّافعيُّ: يحرُم، وكره مالك والحنفيَّة، ومنشأ الخلاف أنَّ كلَّ ما يتَّخذ منه الطِّيب يحرُم بلا خلاف، وأمَّا غيره فلا. انتهى.
          ونقل العينيُّ عن «شرح المهذَّب» فيه قولين، والأصحُّ تحريم شمِّها ووجوب الفدية، وقال: وبه قال مالك وأبو حنيفة إلَّا أنَّهما يقولان: يحرم ولا فدية، انتهى مِنْ «هامش اللَّامع» مختصرًا.
          قوله: (وينظر في المرآة) وفي «الموطَّأ» للإمام مالك أنَّ عبد الله بن عمر نظر في المرآة لشكوى كان بعينيه، وهو محْرِم.
          وفي «الأوجز» قال الزُّرْقانيُّ: ويكره عند مالك لغير ضرورة، مخافة أن يرى شَعَثا فيُصْلِحه. انتهى.
          وقالَ الموفَّق: ولا ينظر في المرآة لإصلاح شيء، يعني: لإزالة شعث أو تسوية شَعَر أو شيء مِنَ الزِّينة، قال أحمد: ولا بأس في النَّظر بدون ذلك، ولا فدية عليه بالنَّظر في المرآة على كلِّ حال، وإنَّما ذلك أدبٌ لا شيء على تاركه لا نعلم أحدًا أوجب في ذلك شيئًا، وقد رُوي عن ابن عمر وعمر بن عبد العزيز أنَّهما كانا ينظران في المرآة وهما محْرِمان. انتهى.
          وعد صاحب «اللُّباب» في المباحات النَّظر في المرآة للاطلاع على الهيئة، وقال الحافظ في «الفتح»: نقل كراهته عن القاسم بن محمَّد. انتهى.
          قوله: (يتداوى(1) بما يأكل، الزَّيت...) إلى آخره، قال الحافظ: وأمَّا التَّداوي فقال أبو بكر بن أبي شيبة بسنده عن ابن عبَّاس: إنَّه كان يقول: (يتداوى المُحْرِم بما يأكُل) وعنه أيضًا أنَّه قال: ((إذا شُقِّقَت يد المُحْرِم أو رِجْلاه فلْيَدْهَنْهُما بالزَّيت أو بالسَّمن)).
          قال الحافظ: وفي هذا الأثر ردٌّ على مجاهد في قوله: إن تداوى بالسَّمن أو بالزَّيت(2) فعليه دم، أخرجه ابن أبي شيبة(3). انتهى.
          قوله: (ويلبس الهِمْيان) وفي «الهداية»: لا بأس بأن يَشُدَّ في وسَطِه الهِمْيان، وقال مالك: يُكْره إذا كان فيه نفقة غيره، ولنا أنَّه ليس في معنى لُبْسِ المَخيط، فاستوت فيه الحالتان. انتهى.
          قال ابن المنذر: ورَخَّصَ في الهِمْيان والمِنْطَقة للمحْرِم الشَّافعيُّ وأحمد وإسحاق ومَنْ وافقهم، غير أنَّ إسحاق قال: ليس له أن يعقد، بل يدخل بسيور بعضها في بعض. انتهى.
          وفي «المحلَّى»: قيل: تفرَّد إسحاق بذلك، أي: بعدم العقد. انتهى مختصرًا مِنَ «الأوجز».
          قوله: (وقد حزم على بطنه بثوب) قال ابن التِّينِ: هو محمول على أنَّه شدَّه على بطنه فيكون كالهِمْيان ولم يشدَّه فوق المئزر، وإلَّا فمالك يرى على مَنْ فعل ذلك الفدية. انتهى مِنَ «الفتح».
          قوله: (ولم ترَ عائشة بالتُّبَّان بأسًا) كتبَ الشَّيخ في «اللَّامع» ولا يجوز التُّبَّان عندنا لأحد ولو احتاج إليه، وذلك لأنَّ التَّأزُّر ممكن بحيث لا تنكشف العورة بعده. انتهى.
          وفي «هامشه»: قالَ الكَرْمانيُّ: التُّبَّان _بضمِّ الفوقيَّة وشدَّة الموحَّدة وبالنُّون_: سَراويل قصير جدًّا، وهو مقدار شبر ساتر للعورة المغلظة فقط، ويكون للملَّاحين. انتهى.
          قال الحافظ: سَراويل قصير بغير أكْمَام، ووصل أثرَ عائشة سعيدُ بنُ منصور عن عائشة: أنَّها حجَّت ومعها غلمان لها، وكانوا إذا شدُّوا رحالها(4) يبدو منهم الشَّيء، فأمرتهم أن يتَّخذوا التَّبانين(5)، فيلبسونها وهم محرمون، وفي هذا ردٌّ على ابن التِّينِ في قوله: أرادت النِّساء لأنَّهن يلبسن المخيط بخلاف الرِّجال، وكان(6) هذا رأي رأته عائشة وإلَّا فالأكثر على أنَّه لا فرق بين التُّبَّان والسَّراويل في منعه للمحْرم(7). انتهى.
          وهكذا في العَينيِّ وزاد: فإن لبس شيئًا مِنْ ذلك مختارًا عامدًا أَثِمَ وافتدى. انتهى مِنْ «هامش اللَّامع».
          قوله: (تعني للَّذين يُرَحِّلون هودجها) قالَ السِّنْديُّ: كتب في هامش بعض النُّسخ نقلًا عن بعض محقِّقي(8) مشايخنا أنَّه بضمِّ الياء وتشديد الحاء، أي: ينقلون، مِنْ رَحَلَ: انتقل، لا مِنْ رَحَل بعِيرَه، أي: وَضَع عليه الرَّحْل لأنَّه فاسد أن يقال: يَرْحَلون هَودَجَها، أي: يَضَعون عليها الرَّحْل، نعم لو ثبتت به الرِّواية لأُوِّل بحذف المضاف، أي: يَرْحَلون بَعِير هودجها، مع تكلُّف ظاهر في المعنى، فظهر أنَّ قول الحافظ وغيره: التَّشديد وهْمٌ؛ ليس بصواب. انتهى.
          وكتبَ الشَّيخ في «اللَّامع»: يعني بذلك أنَّ جَواز التُّبَّان معلَّل بالضَّرورة، فيرخَّص فيه لمن افتقر إليه، / وذلك لأنَّ هؤلاء ومَنْ في حكمهم تنكشف عورتهم في الصُّعود والنُّزول، حين يَرْحَلون الهوادج على الجمال، ولا يجوز التُّبَّان عندنا لأحد... إلى آخر ما تقدَّم.


[1] في (المطبوع): ((ويتداوى)).
[2] في (المطبوع): ((الزيت)).
[3] فتح الباري:3/396
[4] في (المطبوع): ((رحلها)).
[5] في (المطبوع): ((التبابين)).
[6] في (المطبوع): ((وكأنَّ)).
[7] فتح الباري:3/397 مختصرا
[8] في (المطبوع): ((محقق)).