الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

كتاب السلم

          ░░35▒▒ كتاب السَّلَم
          قالَ العلَّامةُ العَينيُّ: السَّلَم _بفتحتين_: بيعٌ على موصوف في الذِّمَّة ببدل يُعطى عاجلًا، وسمِّي سَلَمًا لتسليم رأس المال في المجلس، وسلفًا لتقديم رأس المال، والسَّلَم والسَّلف كلاهما بمعنًى واحد ووزن واحد، وقيل: السَّلف لغة أهل العراق، والسَّلَم لغة أهل الحجاز، وقيل: السَّلف تقديم رأس المال، والسَّلَم تسليمه في المجلس، فالسَّلف أعمُّ، وقيل: السَّلَم والسَّلف والتَّسليف عبارة عن معنًى واحد غير أنَّ الاسم الخاصَّ بهذا الباب السَّلَمُ لأنَّ السَّلف يقال على القرض.
          والسَّلَم في الشَّرع: بيعٌ مِنَ البيوع الجائز(1) بالاتِّفاق، إلَّا ما حُكي عن ابن المسيِّب، وفي «التَّلويح»: كَرهت طائفةٌ السَّلَم. انتهى.
          وفي «الدُّرِّ المختار»: هو لغةً كالسَّلف وزنًا ومعنًى، وشرعًا: بيعٌ آجلٌ بعاجل. انتهى.
          وقال الحافظ: والسَّلَم شرعًا بيع موصوف في الذِّمَّة، ومَنْ قيَّده بلفظ السَّلَم زاده في الحدِّ، ومَنْ زاد فيه ببدل يُعطى عاجلًا، فيه نظر لأنَّه ليس داخلًا في حقيقته، واختلفوا في بعض شروطه، واتَّفقوا على أنَّه يُشترط له ما يُشترط للبيع، وعلى تسليم رأس المال في المجلس، واختلفوا: هل هو عقدُ غَرَرٍ جُوِّز للحاجة أم لا؟ انتهى.
          قلت: واختلفوا في شروطه كما بسط الكلام عليها في «الأوجز» أشدَّ البسط، وذكر فيه ثمانية عشر شرطًا بعضها متَّفق عليه وبعضها مختلف فيه، فارجع إليه لو شئت.
          ثمَّ اعلم أنَّهم اختلفوا فيما يجوز فيه السَّلَم، ففي «الأوجز»: قالَ الموفَّق: وجملة ذلك أنَّ السَّلَم لا يصحُّ إلَّا بشروط ستَّة:
          الشَّرط الأوَّل: أن يكون المُسْلَم فيه ممَّا ينضبط بالصِّفات الَّتِي يختلف الثَّمنُ باختلافها ظاهرًا، فيصحُّ في الحبوب والثِّمار والثِّياب والكاغد(2) والحديد والنُّحاس والأدهان والألبان، وكلِّ مكيل أو موزون أو مزروع، كذا في «المغني».
          قال ابن رشد: أجمعوا على جوزاه في كلِّ ما يكال أو يوزن، والجمهور على أنَّه جائز في العُروض الَّتِي تنضبط بالصِّفة والعدد، واختلفوا مِنْ ذلك فيما ينضبط بالصِّفة(3) ممَّا لا ينضبط بالصِّفة. انتهى.
          قالَ الموفَّق: أجمعوا على جوازه في الثِّياب، ولا يصحُّ فيما لا يُضبط بالصِّفة، كالجواهر مِنَ اللُّؤلؤ والياقوت والعقيق والبلَّور لأنَّ أثمانها تختلف اختلافًا متباينًا بالصِّغر والكبر وحسن التَّدبير(4) وزيادة الضَّوء، وهذا قول الشَّافعيِّ وأصحاب الرَّأي، وحُكي عن مالك صحَّة السَّلَم فيها، إذا اشترط منها شيئًا معلومًا، واختلفوا في السَّلَم في الخبز وغيره مِنْ كلِّ معمول بالنَّار، وكذا اختلفوا في الحيوان وغيره ممَّا لا يُكال ولا يُوزن ولا يُزرع، كالرُّمَّان والبيض وغيرهما، كما بسطه الموفَّق(5) وغيره.
          وفي العَينيِّ: قال ابن حزم: لا يجوز السَّلَم إلَّا في كلِّ مكيل أو موزون فقط، ولا يجوز في مزروع ولا معدود ولا شيء غير ما ذُكر في النَّصِّ. انتهى مِنَ «الأوجز».
          وفي «البدائع»: ويجوز السَّلَم في العدديَّات المتقاربة مِنَ الجوز والبيض لأنَّ الجهالة فيها يسيرة لا تفضي إلى المنازعة، وقال زُفر: لا يجوز، [ولا يجوز] في العدديَّات المتفاوتة مِنَ الحيوان والجواهر واللآلئ والجلود والأدم والرُّؤوس والأكارع والرُّمَّان، وقالَ الشَّافعيُّ: يجوز السَّلَم في الحيوان(6). انتهى ملخَّصًا.
          قلت: والإمام مالكٌ وأحمدُ مع الشَّافعيِّ في جواز بيع السَّلَم في الحيوان، كما قال ابن عابدين.


[1] في (المطبوع): ((الجائزة)).
[2] في (المطبوع): ((والكاغذ)).
[3] قوله: ((بالصفة)) ليس في (المطبوع).
[4] في (المطبوع): ((التدوير)).
[5] أنظر المغني لابن قدامة:4/207
[6] بدائع الصنائع:5/208