الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

كتاب أخبار الآحاد

           ░░95▒▒ <كتاب أخبار الآحاد
          ░1▒ باب: مَا جَاءَ فِي إِجَازَةِ خَبَر الوَاحِد...> إلى آخره
          هكذا في «النُّسخ الهنديَّة»، وليس في «نسخ الشُّروح الثَّلاثة: مِنَ الفتح والعينيِّ والقَسْطَلَّانيِّ» (كتاب أخبار الآحاد) بل اقتصر فيها على الباب المذكور.
          قالَ الحافظُ: هكذا عند الجميع بلفظ: (باب) إلَّا في «نسخة الصَّغانيِّ» فوقع فيها <كتاب أخبار الآحاد> ثمَّ قالَ: <باب: ما جاء...> إلى آخرها فاقتضى أنَّه مِنْ جملة كتاب الأحكام وهو واضح، وبه يظهر أنَّ الأَولى في التَّمنِّي أن يقال: باب، لا كتاب، أو يؤخَّر عن هذا الباب. انتهى.
          وقالَ القَسْطَلَّانيُّ في آخر هذا الكتاب: وهذا آخر كتاب الأحكام وما بعده مِنَ التَّمنِّي، وإجازة خبر الواحد. انتهى. وفيه إيماء إلى أنَّ التَّمنِّي وأخبار الآحاد ليسا بكتابين مستقلَّين.
          ثمَّ قالَ الحافظُ: والمراد (بالإجازة) جواز العمل به والقول بأنَّه حجَّة، و(بالواحد) هنا حقيقة الوحدة، وأمَّا في اصطلاح الأصوليِّين فالمراد به ما لم يتواتر، وقَصْدُ التَّرجمة الرَّدُّ به على مَنْ يقول: أن(1) الخبر لا يُحْتَجُّ به إلَّا إذا رواه أكثر مِنْ شخصٍ واحد، حَتَّى يصير كالشَّهادة، ويلزم منه الرَّدُّ على مَنْ شرط أربعة أو أكثر، فقد نقل الأستاذ أبو منصور البغداديُّ أنَّ بعضهم اشترط في قَبول خبر الواحد أن يرويه ثلاثة عن ثلاثة إلى منتهاه، واشترط بعضهم أربعة عن أربعة، وبعضهم خمسة عن خمسة، وبعضهم سبعة عن سبعة. انتهى.
          وكان(2) كلُّ قائل منهم يرى أنَّ العدد المذكور يفيد التَّواتر، أو يرى تقسيم الخبر إلى متواتر وآحاد ومتوسِّط بينهم، وفات الأستاذ ذكر مَنِ اشترط اثنين عن اثنين كالشَّهادة على الشَّهادة، وهو منقول عن بعض المعتزلة، ونُسب إلى الحاكم، وأنَّه ادَّعَى أنَّه شرطُ الشَّيخين، ولكنَّه غلط على الحاكم كما أوضحته في الكلام على علوم الحديث. انتهى.
          وقالَ القَسْطَلَّانيُّ: والمراد بالواحد هنا حقيقة الوحدة، وعند الأصوليِّين مالم يَتواتر، والتَّقييد بالصدق لا بدَّ منه، فلا يُحْتَجُّ بالكذوب اتِّفاقًا، أمَّا مَنْ لم يُعرف حاله فثالثها يجوز إن اعتضد. انتهى.
          وقالَ الحافظُ في (باب: الحجَّة على مَنْ قال: أن(3) أحكام النَّبيِّ صلعم كانت ظاهرةً) كما سيأتي في كتاب الاعتصام: قالَ ابنُ بطَّالٍ: أراد الرَّدَّ على الرَّافضة والخوارج الَّذِين يزعمون أنَّ أحكام النَّبيِّ صلعم وسننه منقولة عنه نَقْلَ تواترٍ، وأنَّه لا يجوز العمل بما لم يُنقَل متواترًا، قال: وقولهم مردود، فقد انعقد الإجماع على القول بالعمل بأخبار الآحاد. انتهى.
          قالَ الحافظُ: قوله: (والفرائض) قالَ الكَرْمانيُّ: ليعلم أنَّ ما(4) هو في العمليَّات لا في الاعتقاديَّات. انتهى مختصرًا.
          وكتبَ الشَّيخ في «اللَّامع»: قوله: كتاب أخبار الآحاد يعني: بذلك إثبات أنَّ أخبار الآحاد بمعنى ما ليس بمتواتر مفيدة للعلم، وإن لم يبلغ حدَّ الجزم. انتهى.
          وقال صاحب «الفيض»: دخل المصنِّف في بعض مسائل الأصول، فذكر إجازة خبر الواحد، وحاصلُه أنَّه يفيد القطع إذا احتفَّ بالقرائن كخبر «الصَّحيحين»، على الصَّحيح، بيد أنه يكون نظريًّا، ونُسب إلى أحمد أنَّ أخبار الآحاد تفيد القطع مطلقًا. انتهى.
          وكتبَ الشَّيخ في «اللَّامع»: أراد بالتَّرجمة أنَّه لا يُشترط العدد في كلِّ خبر، بل يُكتفى(5) بخبر الواحد في كثير مِنَ المواضع / إذا كان عدلًا، ودلالة الرِّوايات على هذا المدَّعَى ظاهرة، حيث اكتفى في أكثرها بأخبار(6) الواحد إذا كان عدلًا، وفي بعضها دلالة على قَبول أخبار جماعة لم تبلغ حدَّ التَّواتر. انتهى.
          وفي «هامشه»: ثمَّ لا يذهب عليك ما قالَ السِّنْديُّ: فإن قلت: كيف يصحُّ الاستدلال بما ذكر في هذا الباب مِنَ الأحاديث على حجِّيَّة خبر الآحاد مع أنَّ كلَّها أخبارُ آحاد، والاحتجاج بها يتوقَّف على كون خبر الواحد حجَّة فهو مردود؟ فالجواب أنَّه أشار بإكثار الأخبار في هذا الباب إلى أنَّ القدر المشترك متواتر، ولهذا أكثر، وإلَّا فَدَأْبُه في الأبواب الاقتصارُ على حديث أو حديثين، والله أعلم. انتهى.
          يعني: الاستدلال ليس بخبرِ واحدٍ بل بأخبار كثيرة وصلت إلى حدِّ التواتر، فكأنَّه استدلَّ على قَبول خبر الواحد بخبر المتواتر معنى. انتهى.
          قوله: (والأحكام) قالَ القَسْطَلَّانيُّ: جمع حكم، وهو خطاب الله تعالى المتعلِّق بأفعال المكلَّفين مِنْ حيثُ أنهم(7) مكلَّفون، وهو مِنْ عطف العامِّ على [عامٍّ] أخصَّ منه، لأنَّ الفرائض فردٌ مِنَ الأحكامِ. انتهى.
          قوله: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} الآية [الحجرات:6] قالَ الحافظُ: وجه الدِّلالة منها يُؤخَذ مِنْ مفهومَي الشَّرط والصِّفة فإنَّهما يقتضيان قَبول خبر الواحد، وهذا الدَّليل يورَد للتَّقوِّي لا للاستقلال، لأنَّ المخالف قد لا يقول بالمفاهيم، واحتجَّ الأئمَّة أيضًا بآيات أخرى وبالأحاديث المذكورة في الباب، واحتجَّ مَنْ منع بأنَّ ذلك لا يفيد إلَّا الظَّنَّ، وأجيب بأنَّ مجموعها يفيد القَطْعَ كالتَّواتر المعنويِّ، وقد شاع فاشيًا عمل الصَّحابة والتَّابعين بخبر الواحد مِنْ غير نَكير، فاقتضى الاتِّفاق منهم على القَبول واحتجَّ بعض الأئمَّة بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة:67] مع أنَّه كان رسولًا إلى النَّاس كافَّة، ويجب عليه تبليغهم، فلو كان خبر الواحد غير مقبول لتعذَّر إبلاغ الشَّريعة إلى الكلِّ ضرورةً لتعذُّر خِطاب جميع النَّاس شِفاهًا، وكذا تعذُّر إرسال عدد التَّواتر إليهم، وهو مسلك جيِّد... إلى آخر ما ذكر الحافظ مِنَ الدَّلائل وشبهات المخالفين إلى أن قال: وكلُّ هذا مبسوط في أصول الفقه اكتفيتُ هاهنا بالإشارة إليه، وجملة ما ذكره المصنِّف هاهنا(8) اثنان وعشرون حديثًا.


[1] في (المطبوع): ((إن)).
[2] في (المطبوع): ((وكأن)).
[3] في (المطبوع): ((إن)).
[4] في (المطبوع): ((ليعلم إنما)).
[5] في (المطبوع): ((يكتفي)).
[6] في (المطبوع): ((بإخبار)).
[7] في (المطبوع): ((إنهم)).
[8] في (المطبوع): ((هنا)).