الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

كتاب التعبير

           ░░91▒▒ <كتاب التَّعبير>
          هكذا في «النُّسخ الهنديَّة» وهكذا في «نسخة الحافظين ابن حجَر والعينيِّ»، وكذا الكرمانيُّ، وفي «نسخة القَسْطَلَّانيِّ»: <باب التَّعبير> بدل: كتاب.
          قالَ العلَّامةُ القَسْطَلَّانيُّ: أي: تفسير الرُّؤيا وهو العبور مِنْ ظاهرها إلى باطنها، قاله الرَّاغب، وقال البَيْضاويُّ: عبارة الرُّؤيا: الانتقالُ مِنَ الصُّور الخياليَّة إلى المعاني النَّفسانيَّة الَّتي هي مثالها، مِنَ العُبور، وهو المجاوَزة. انتهى.
          وعَبَرتُ الرُّؤيا_بالتَّخفيف_ هو الَّذِي اعتمده الأثبات(1) وأنكروا التَّشديد، وقيل: يقال: عَبَرْتُ الرُّؤيا_بالتَّخفيف_ إذا فسَّرتَها، وعَبَّرْتُها_بالتَّشديد_ للمبالغة في ذلك. انتهى.
          وقالَ الكَرْمانيُّ: قالوا: الفصيح العبارة لا التَّعبير، وهي التَّفسير والإخبار بآخر ما يَؤُول إليه أمر الرُّؤيا، قيل: الرُّؤيا [ما] في المنام، والرُّؤية هي النَّظر بالعين، والرَّأي ما بالقلب. انتهى.
          قالَ الحافظُ: والتَّعبير خاصٌّ بتفسير الرُّؤيا، ثمَّ قالَ: وأمَّا الرُّؤيا فهي ما يراه الشَّخص في منامه، وهي بوزن فُعلى، وقد تُسهَّل الهمزة، قال الواحديُّ: هي في الأصل مصدرٌ كاليُسرى، فلمَّا جُعلت اسمًا لِما يتخيَّله النَّائم أُجريتْ مُجرى الأسماء، وقالَ ابنُ العربيِّ: الرُّؤيا إدراكاتٌ علَّقها الله تعالى في قلب العبد على يدَي مَلَك أو شيطان... إلى آخر ما حقَّق، وذكر الأقوال في تحقيق الرُّؤيا، ثمَّ قالَ: قال المازَريُّ: كثُر كلام النَّاس في حقيقة الرُّؤيا.
          وقال فيها غير الإسلاميِّين أقاويل كثيرةً منكَرةً، لأنَّهم حاولوا الوقوف على حقائقَ لا تدرك بالعقل، وهم لا يصدِّقون بالسَّمع، فاضطربت أقوالهم:(2) فمن ينتمي إلى الطِّبِّ ينسب جميع الرُّؤيا إلى الأخلاط، فيقول مَنْ غلب عليه البلغم رأى أنَّه يَسبح في الماء ونحو ذلك؛ لمناسبة الماء طبيعةَ البلغم، ومَنْ غَلبت عليه الصَّفراء رأى النِّيران والصُّعود في الجوِّ، ومَنْ ينتمي إلى الفلسفة [يقول]: أنَّ صور(3) ما يجري في الأرض هي في العالم العلويِّ كالنُّقوش، فما حاذى بعضَ النُّقوش منها انتقش فيها، قال: وهذا أشدُّ فسادًا مِنَ الأوَّل، لكونه تحكُّمًا لا برهان عليه، والانتقاش مِنْ صفات الأجسام، وأكثر ما يجري في العالم العلويِّ الأعراضُ، والأعراض لا يُنتقش فيها، قال: والصَّحيح ما عليه أهل السُّنَّة أنَّ الله يخلق في قلب النَّائم اعتقاداتٍ كما يخلقها في قلب اليقظان، فإذا خلقها فكأنَّه جعلها عَلَمًا على أمور أخرى يخلقها في ثاني الحال، ومهما وقع منها على خلاف المعتقد فهو كما يقع لليقظان، ونظيره أنَّ الله خلق الغيم علامة على المطر، وقد يتخلَّف، وتلك الاعتقادات تقع تارةً بحضرة الملك فيقع بعدها ما يَسُرُّ، أو بحضرة الشَّيطان فيقع بعدها ما يَضُرُّ، والعِلم عند الله تعالى.
          ثمَّ بعدما بسط الحافظ الكلام في تحقيق الرُّؤيا قال: ثمَّ جميع / المرائي تنحصر على قسمين: الصَّادقة، وهي رؤيا الأنبياء ومَنْ تبعَهم مِنَ الصالحين، وقد تقع لغيرهم بِندورٍ، وهي الَّتي تقع في اليقظة على [وَفْق] ما وقعت في النَّوم. والأضغاث: وهي لا تُنذِر بشيء، وهي أنواع: الأوَّل: تلعُّب(4) الشَّيطان ليحزن الرَّائي، كأنْ يرى أنَّه قُطع رأسه وهو يتبعه، أو رأى أنَّه واقع في هول ولا يجد مَنْ ينجده، ونحو ذلك، الثَّاني: أن يرى أنَّ بعض الملائكة تأمره أن يفعل المحرَّمات مثلًا ونحوه مِنَ المحال عقلًا، الثَّالث: أن يرى ما تتحدَّث به نفسه في اليقظة أو يتمنَّاه، فيراه كما هو في المنام. انتهى.
          وفي «هامش اللَّامع»: وقد بسط الكلام على الرُّؤيا لفظًا ولغةً وحقيقةً في «الأوجز» أشدَّ البسط، وفيه أفاد شيخ مشايخنا الشَّاه وليُّ الله الدِّهْلويُّ في «المسوى» في قوله صلعم: (الرُّؤيا الصَّالحة مِنَ الله، والحُلْمُ مِنَ الشَّيطان): فيه بيان أنَّه ليس كلُّ ما يراه الإنسان في منامه يكون صحيحًا، إنَّما الصَّحيح فيه ما كان مِنَ الله يأتيك به مَلك الرُّؤيا مِنْ نسخة أمِّ الكتاب، وما سِوى ذلك أضغاث أحلام لا تأويل لها، وهي على أنواع... إلى آخر ما ذكر.
          وقالَ الشَّيخ عبد الغنيِّ النَّابلسيُّ في «تعطير الأنام»: وقد قال بإبطال الرُّؤيا قومٌ مِنَ الملحدين يقولون: إنَّ النَّائم يرى في منامه ما يغلب عليه مِنَ الطَّبائع الأربعة، وهذا الَّذِي قالوه نوعٌ مِنْ أنواع الرُّؤيا، وليست الرُّؤيا منحصرةً في ذلك... إلى آخر ما ذكر في «هامش اللَّامع»، فارجع إليه لو شئت، وسيأتي في البخاريِّ: في (باب: القيد في المنام) قولُ محمَّد بن سيرين قال: وكان يقال: الرُّؤيا ثلاث: حديث النَّفس، وتخفيف(5) الشَّيطان، وبشرى مِنَ الله تعالى.
          ░1▒ (باب: أوَّل ما بُدئ به رسول الله صلعم مِنَ الوحي...) إلى آخره
          هذا مِنْ دَأْب الإمام البخاريِّ ☼ مِنْ أنَّه طالما يذكر في مبدأ الكتاب ما يتعلَّق ببدء مشروعيَّة الحكم تاريخًا، فأشار بهذه التَّرجمة إلى مبدأ الرُّؤيا المعتبرة عند الشَّرع.
          قالَ الحافظُ: ثمَّ ساق المصنِّف حديث عائشة في بدء الوحي وقد ذكره في أول «الصَّحيح»، وقد شرحتُه هناك، ثمَّ استدركت ما فات مِنْ شرحه في تفسير {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق:1]، وسأذكر هنا ما لم يتقدَّم ذكرُه في الموضعين غالبًا... إلى آخر ما ذكر، فارجع إليه لو شئت.


[1] في (المطبوع): ((الإثبات)).
[2] في (المطبوع): ((أقواله)).
[3] في (المطبوع): ((إن صورة)).
[4] في (المطبوع): ((تلاعب)).
[5] في (المطبوع): ((وتخويف)).