الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

كتاب المساقاة

          ░░42▒▒ <كتاب المُسَاقاة>
          هكذا في «النُّسخ الهنديَّة» وهكذا في «نسخ الكرمانيِّ والعينيِّ والقَسْطَلَّانيِّ» وليس هو في نسخة «الفتح» وهو الأوجه عندي.
          وفي نسخة «الفتح» بعد التَّسمية: <في الشَّرب وقول الله ╡: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ} الآية [الأنبياء:30]>.
          قال الحافظ: كذا لأبي ذرٍّ، وزاد غَيرُه في أوله: <كتاب المساقاة> ولا وجه له فإنَّ التَّراجم الَّتي فيه غالبها يتعلَّق بإحياء الموات.
          وبسط العينيُّ في اختلاف النُّسخ ثمَّ قال: أمَّا المُساقاة فهي المعاملة بلغة أهل المدينة، ومفهومه اللُّغَويُّ هو الشَّرعيُّ، وهي مُعَاقَدة دفع الأشجار والكروم إلى مَنْ يقوم بإصلاحهما، على أن يكون له سهم معلوم مِنْ ثمرها، ولأهل المدينة لغات يختصُّون بها، كما قالوا للمُساقاة: مُعاملة، وللمُزارعة: مُخابرة، وللإجارة: بيع، وللمُضَاربة: مُقَارضَة. انتهى.
          وذكر في «الأوجز» فيه عدَّة أبحاث:
          الأوَّل: في لغتها، وتقدَّم شيء مِنْ ذلك.
          والثَّاني: في تعريفها عند الفقهاء.
          والثَّالث: في حكمها.
          فجمهور العلماء مِنَ السَّلف والخلف على إباحته، حتَّى حكى غير واحد مِنْ نَقَلَة المذاهب الإجماع على ذلك ولا شكَّ أنَّ الإجماع مُتعقَّب، كما بسط في «الأوجز».
          وفي «المغني» قال أبو حنيفة وزُفر: لا تجوز المساقاة، قال ابن رشد: وعمدة الجمهور_منهم الأئمَّة الثَّلاثة وصاحبا أبي حنيفة_ في جوازها حديثُ ابن عمر في معاملة أهل خيبر، وأمَّا أبو حنيفة ومَنْ قال بقوله فعمدتُهم مخالفة هذا الأثر للأصول، مع أنَّه حكم مع اليهود، واليهود يُحتمل أنَّه(1) أقرَّهم على أنَّهم عبيد، ويُحتمل أن يكون أقرَّهم على أنَّهم أهل ذمَّة... إلى آخر ما بسط في «الأوجز» (2).
          الرَّابع: ما في الدُّسوقيِّ: أنَّ المساقاة مستثناة للضَّرورة مِنْ أمور خمسة ممنوعة.
          الخامس: أنَّ القائلين بجوازها اختلفوا في محلِّ الجواز، فقال داود: لا تكون إلَّا في النَّخل فقط، وقال الشَّافعيُّ: في النَّخل والكرم فقط، وقال مالك: تجوز في كلِّ أصل ثابت كرُمَّانٍ والزَّيتون وما أشبه ذلك... إلى آخر ما في «هامش اللَّامع».
          (باب: في الشِّرب)
          بكسر المعجمة، والمراد به: الحُكمُ في قسمة الماء قاله عِياض، وقال: ضبطه الأَصيليُّ بالضَّمِّ، والأوَّل أَولى.
          قالَ ابنُ المنيِّر: مَنْ ضبطه بالضَّمِّ أراد المصدر، وقال غيره: المصدر مثلَّث، وقُرئ: {فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ} [الواقعة:55] مثلَّثًا، والشِّرب في الأصل _بالكسر_: النُّصُب والحظُّ مِنَ الماء. انتهى [مِنَ «الفتح»].
          قوله: ({وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ} [الأنبياء:30]) كتب الشَّيخ في «اللَّامع»: يعني بذلك_والله أعلم_ أنَّ كلَّ شيء فهو مِنَ الماء لكونه أصلَ الأشياء بأثرها فإنَّ خلق السَّماوات والعناصر الثَّلاثة إنَّما هو مِنَ الماء، وتخصيص الشَّيء / بالحيِّ في الآية على هذا التَّقدير مبنيٌّ على أنَّهم المقصودون بالذِّكر هاهنا، وإن لم يكن الحكم يختصُّ بهم. انتهى.
          وذكر في «هامشه» الاختلاف في تفسير هذه الآية.
          قوله: (فراتًا عذبًا) قال الحافظ: وهو منتزع مِنْ قوله تعالى: {هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ} [الفرقان:53]. انتهى.
          وهي في سورة الفاطر [فاطر:12].
          وفي «الجلالين»: {عَذْبٌ فُرَاتٌ} شديد العُذُوبة.
          وفي «الجمل»: فَرُت _ككَرُم_: عَذُب. انتهى.
          والأوجَهُ عندي أنَّه تلميح إلى قوله تعالى: {وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا} [المرسلات:27] لأنَّ الواقع هاهنا بالنَّصب، وما أشار إليه الحافظ هو بالرَّفع.
          قالَ العلَّامةُ العينيُّ: ومِنْ عادة الإمام البخاريِّ أنَّه إذا ترجم لباب في شيء يَذكر فيه ما يناسبه مِنَ الألفاظ الَّتي في القرآن، ويفسِّرها تكثيرًا للفوائد.
          وتقدَّم في مقدِّمة «اللَّامع» في بيان خصائص الكتاب.


[1] في (المطبوع): ((أنهم)).
[2] أوجز المسالك:13/402 مختصرا