إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: قولوا: اللهم صل على محمد عبدك ورسولك

          4798- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ) التِّنِّيسيُّ، قال‼: (حَدَّثَنَا اللَّيْثُ) بن سعدٍ الإمام (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد (ابْنُ الهَادِ) عبد الله بن أسامة الليثيُّ (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ خَبَّابٍ) بخاء معجمة مفتوحة(1) فموحَّدتين الأولى مشدَّدة بينهما ألف / ، الأنصاريِّ (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ) ☺ أنَّه (قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا التَّسْلِيمُ) بوزن التكليم، أي: قد عرفناه (فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ) وسقط «كما صلَّيت على(2) إبراهيم» (وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ) ذكر إبراهيم، وأسقط «آل إبراهيم».
          (قَالَ أَبُو صَالِحٍ) عبد الله كاتب الليث: (عَنِ اللَّيْثِ) بإسناده المذكور: (عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ(3) إِبْرَاهِيمَ) يعني: أنَّ عبد الله بن يوسف لم يذكر «آل إبراهيم» عن الليث، وذكرها أبو صالح عنه في الحديث المذكور.
          وبه قال: (حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ) بالحاء المهملة والزاي، ابن محمَّد بن مصعب بن الزبير بن العوَّام القرشيُّ الزُّبيريُّ قال: (حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ) بالحاء المهملة والزاي عبد العزيز، واسم أبي حازم سلمة (وَالدَّرَاوَرْدِيُّ) عبد العزيز بن محمَّد، كلاهما (عَنْ يَزِيدَ) هو ابن الهاد (وَقَالَ: كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ) أي: كما تقدَّمت منك الصلاة على إبراهيم؛ فنسأل منك الصلاة على محمَّد بطريق الأولى؛ لأنَّ الذي يثبتُ(4) للفاضل يثبت للأفضل بطريق الأَولى، وبهذا يحصل الانفصال عن الإيراد المشهور؛ وهو أنَّ من شرط(5) التشبيه أن يكون المشبَّه به أقوى، ومحصّلُ الجواب: أنَّ التشبيه ليس من باب إلحاق الكامل بالأكمل، بل مِن باب التهييج ونحوه قاله في «الفتح»، ويأتي مزيد بحث لذلك إن شاء الله تعالى في «كتاب الدعاء» بعون الله وقوته، ولم يذكر في هذه «وعلى آل إبراهيم» (وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَ(6)آلِ إِبْرَاهِيمَ) بإسقاط لفظ «على»، في «آل»(7) في الموضعين، وإثبات: «إبراهيم وآله»، في: «كما باركت»، قيل: أصل «آل»: أهل، قلبت الهاء همزة ثم سهِّلت؛ ولهذا إذا صغِّر ردَّ إلى الأصل فقيل: أهيل، وقيل: أصله: «أول»، من آلَ؛ إذا رجع، سمِّي بذلك من يؤول إلى الشخص ويضاف إليه، ويقوِّيه أنَّه لا يضاف إلا إلى معظَّم، فيقال: آل القاضي، ولا يقال: آل الحجَّام، بخلاف أهل، وقد يُطلق آل فلان على نفسه وعليه وعلى من يضاف إليه جميعًا، وضابطه: أنَّه إذا قيل: فعل آل فلان كذا؛ دخل هو فيهم، وإن(8) ذكرا معًا؛ فلا، وهو كالفقير والمسكين، والإيمان والإسلام، ولمَّا اختلفت ألفاظ الحديث في الإتيان بهما معًا وفي إفراد أحدهما؛ كان أَولى المحامل أن يحمل على أنَّه صلعم قال ذلك كله، ويكون بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ الآخر، ويحتمل‼ أن يكون بعض(9) مَنِ اقتصر على «آل إبراهيم» بدون ذكر «إبراهيم» رواه بالمعنى، بناءً على دخول إبراهيم في قوله: «آل إبراهيم» كما تقدَّم، ووقع في «أحاديث الأنبياء» [خ¦3370] من «البخاريِّ» في ترجمة إبراهيم ◙ ، من طريق عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى(10): «كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنَّك حميد مجيد»، وكذا في قوله: «كما باركت»، وغفل عنه ابن القيم، فزعم أنَّ أكثر(11) الأحاديث بل كلها مصرِّحةٌ بذكر «محمَّد وآل محمَّد»، وبذكر «آل إبراهيم» فقط، أو بذكر «إبراهيم» فقط، قال: ولم يجئ في حديثٍ صحيحٍ بلفظ: «إبراهيم وآل إبراهيم» معًا، وإنَّما أخرجه البيهقيُّ من طريق يحيى بن السَّبَّاق، عن رجل من بني الحارث، عن ابن مسعود، ويحيى مجهولٌ، وشيخُه مبهمٌ، فهو سندٌ ضعيف، وأخرجه ابن ماجه من وجه آخر قويٍّ، لكنَّه موقوفٌ على ابن مسعود، قاله في «الفتح».
          ويأتي إن شاء الله تعالى في «كتاب الدعاء» مزيد لذلك بعون الله وقوته.


[1] «مفتوحة»: ليس في (د).
[2] زيد في غير (د): «آل».
[3] «آل»: سقط من (م).
[4] في (ب): «ثبت».
[5] في (د) و(م): «شروط».
[6] زيد في (م): «على»، وهو خطأ.
[7] في غير (د): «الآل».
[8] في (د): «وإذا».
[9] «بعض»: ليس في (د).
[10] «عن عبد الرحمن بن أبي ليلى»: سقط من (ص).
[11] في (د): «بعض».