التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب قتل الخنزير

          ░102▒ بَابُ: قَتْلِ الخِنْزِيرِ.
          (وَقَالَ جَابِرٌ: حَرَّمَ رَسُولُ اللهِ صلعم بَيْعَ الخِنْزِيرِ).
          2222- ثمَّ ساق حديثَ أبي هريرة قال: قَالَ النَّبيُّ صلعم: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُم ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الجِزْيَةَ، وَيَفِيضَ المَالُ حتَّى لاَ يَقْبَلَهُ أَحَدٌ).
          هذا الحديثُ أخرجه مسلم أيضًا، وتعليقُ جابر سيأتي بعدُ مسندًا بلفظ: ((سمعتُ النَّبيَّ صلعم عامَ الفتح بمكَّة يقول: إِنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ، وَالْمَيْتَةِ، وَالْخِنْزِيرِ، وَالْأَصْنَامِ)) [خ¦2236].
          ومعنى: (لَيُوشِكَنَّ) ليُسْرِعَنَّ، يُقال: أوشك فلانٌ خروجًا مِنَ العجلة، وقال الدَّاوُديُّ: لَيكونَنَّ، قال: ويوشك يأتي بمعنى يكون، وبمعنى يقرُب أن يَنزل، أي مِنَ السَّماء فإنَّ الله رفعه إليها وهو حيٌّ.
          (مُقْسِطًا) أي عدلًا.
          وقوله: (فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ) أي بعدَ قتل أهله.
          (وَيَقْتُلَ الخِنْزِيرَ) أي يُفنيه فلا يؤكل، وقيل: يحتمل أنَّه لِيُضعفَ أهلَ الكفر عندما يريدُ قتالَهم، ويحتمل أن يقتله بعدما يغلبُهم، وإنَّما كان ذلك لأنَّه نازل بتقرير هذه الشَّريعة.
          ومعنى (يَضَعَ الجِزْيَةَ) يحمل النَّاس كلَّهم على الإسلام، ولا حاجةَ لأحد إذ ذاك إلى الجزية، لأنَّها إنَّما تُؤخذ لتصرف في المصالح، ولا عدوَّ إذ ذاك للدِّين والمالُ فاضَ فلا حاجة إليها.
          وقوله: (وَيَفِيضَ المَالُ) أي يَكثر ويتَّسع، وهو بالنَّصب عطفًا على ما قبله كما ضبطه الدِّمْياطيُّ. قال ابنُ التِّين: إعرابه بالضَّمِّ، لأنَّه مستأنَف غيرُ معطوف، لأنَّه ليس مِنْ فعل عيسى، قال: ويصحُّ أن يُعطف على ما عملت فيه أنْ فينصبَ، وظاهرُه قتلُ الخنزيرِ مطلقًا، وإن لم تعدُ حكمتُه ما أسلفناه.
          وقال ابن التِّين في موضعٍ آخر: فيه إبطالٌ لقول مَنْ شذَّ مِنَ الشَّافعيّة إذ جوَّز تركَه إذا لم يكن فيه ضراوة، ومذهبُ الجمهور أنَّه إذا وُجد الخنزير في دارِ الكُفر وغيرها وتمكَّنَّا مِنْ قتله قتلناه. وقد قام الإجماعُ على أنَّ بيعه وشراءَه حرامٌ، وعلى قتلِ كلِّ ما يُستَضرُّ به ويؤذي ما لم يبلغ أذى الخنزير، كالفواسق الَّتي أمرَ الشَّارعُ بقتلها في الحلِّ والحرم للحلال والمُحرِم، فالخنزير أولى بذلك لشدَّة أذاه، ألا ترى أن عيسى صلعم يقتله عند نزوله، فقتلُه واجبٌ، كذا قال ابن بَطَّال.
          ثم قال: وفيه دليلٌ على أنَّ الخنزير حرامٌ في شريعة عيسى، وقتلُه له تكذيبٌ للنَّصارى أنَّه حلال في شَريعتهم.
          واختَلف العلماء في الانتفاع بشَعره فكرهه ابن سِيرينَ والحَكمُ، وهو قول الشَّافعيِّ وأحمدُ وإسحاقُ. وقال الطَّحاويُّ عن أصحابه: لا يُنتفع مِنَ الخنزير بشيء، ولا يجوز بيعُ شيء مِنْه، ويجوز للخرَّازين أن يبيعوا شعرةً وشعرتين للخِرازة، ورخَّص فيه الحسنُ وطائفةٌ. ذُكِرَ عن مالكٍ أنَّه لا بأس بالخِرازة بشعره، فعليه أنَّه لا بأس ببيعه وشرائه. وقال الأوزاعيُّ: يجوز للخرَّاز أن يشتريَه، ولا يجوز له بيعُه.
          قال المهلَّب: وظاهرُ الحديث أنَّ النَّاس كلَّهم يدخلون في الإسلام، ولا يبقى مَنْ يخالفه، وهو كما قال. وقد استدلَّ به البَيْهَقيُّ في «سننه» أنَّ الخِنزير أسوأ حالًا مِنَ الكلب، لأنَّه لم ينزل بقتلِه بخلافه.