التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب بيع السلاح في الفتنة وغيرها

          ░37▒ بَابُ: بَيْعِ السِّلاَحِ فِي الفِتْنَةِ وَغَيْرِهَا. وَكَرِهَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ بَيْعَهُ عِنْدَ الفِتْنَةِ.
          2100- ثمَّ ساق مِنْ حديث أبي قَتادة الحارث بن رِبْعيٍّ: (خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلعم عَامَ حُنَيْنٍ، فَبِعْتُ الدِّرْعَ، فَابْتَعْتُ بِهِ مَخْرَفًا فِي بَنِي سَلِمَةَ، فَإِنَّهُ لَأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ فِي الإِسْلاَمِ).
          الشَّرح: أثرُ عِمرانَ ذَكره عبد الله بن أحمد في «علله» فقال: سألت ابن مَعْمر عن محمَّد بن مُصعب القُرْقُسانيِّ، فقال: ليس بشيء، وكان لي رفيقًا فحدَّثنا عن أبي الأشهب عن أبي رجاءٍ، عن عِمْرانَ بن حُصَين أنَّه كَره بيعَ السِّلاح في الفتنة، فقلنا لمحمَّد بن مُصعب: هذا يرويه عن أبي رجاءٍ قوله، فقال: هكذا سمعه. ثمَّ قال يحيى: لم يكن مِنْ أصحاب الحديث. قال عبد الله: وسمعت / أبي ذَكَرَ محمَّد بن مُصعب فقال: لا بأس به. فقلت: أنكر يحيى عليه حديثَ أبي رجاء إذ رواه عن عمرانَ قوله، فسكت. وفي «تاريخ الخطيب» رواية محمَّد بن مصعب أيضًا مرفوعًا إلى رسول الله صلعم وكذا هو في كتاب «البيوع» لابن أبي عاصم، ورواه ابن عديٍّ في «كامله» مِنْ حديث بَحْر بن كُنَيْزٍ السَّقَّاء _وهو ضعيف_ عن عبيد الله بن القبطي عن أبي رجاءٍ عن عمرانَ.
          وحديث أبي قتادة أخرجه مسلم أيضًا، والبخاريُّ مطوَّلًا بقصَّة تأتي، وأسقط هنا ما لا يتمُّ الكلام إلَّا به، وهو أنَّه قتل رجلًا مِنَ الكفَّار فأعطاه _◙_ درعَه. والبخاريُّ أراد بيع الدِّرع فذكر موضعَه فقط، وذكر في الأحكام: وقال لي عبد الله بن صالح، عن اللَّيث: ((فقام رسول الله صلعم فأدَّاه إليَّ))، وقد ساقها مرَّة أيضًا كذلك متَّصلًا.
          والذي شَهد لأبي قَتادة بالقتل: الأسوَدُ بن خُزَاعيٍّ وعبد الله بن أُنَيسٍ قاله المنذِريُّ وفي الإسناد: ابن أفلحَ، وهو عمرُ بن كَثير بن أفلحَ وأبو محمَّد مولى أبي قَتادة واسمه: نافع.
          وَ(بَنُو سَلِمَةَ) _بكسر اللَّام_ بطن مِنَ الأنصار، واعترض الإسماعيليُّ فقال: الحديث ليس في شيء مِنْ ترجمة الباب، وليس كما ذكر فإنَّه ذَكر للتَّرجمة على بيع السِّلاح في الفتنة أثرَ عمرانَ، وعلى قوله وغيرها حديثَ أبي قَتادة: إذ باع السِّلاح في غير إبَّانِ فتنة، أو يقال: إنَّ الرَّجل لمَّا قال: سلب ذلك القتيل عندي فارضَه، فكأنه بمنزلة البيع وذلك وقت فتنة لأنَّ الرِّضا لا يكون إلَّا مع مقارَنة التَّماثل.
          والمخرف _بفتح الميم وكسر الرَّاء وعكسِه وفتحِهما_: البستان. وقيل: الحائط مِنَ النَّخل يُخترف فيه الرُّطب أي: يُجتنى، وقيل: بالكسر ما يُجنى فيه الثمر أو ما يقطع به، وبالفتح: الحائط مِنَ النَّخل، وقال ابنُ سِيدَهِ: المِخرَف: القطعة الصَّغيرة مِنَ النَّخل ستٌّ أو سبع يشتريها الرَّجل للخُرْفةِ.
          و(تَأَثَّلْتُهُ): جعلته أصلَ مالي، مأخوذ مِن الأَثْلَةِ وهو الأصل، والأَثَال _بالفتح_ المجد، وبالضَّمِّ: اسم جبل وبه سُمِّيَ الرَّجل. قال:
ولكنَّما أَسعى لمجدٍ مُؤثَّلٍ                     وقد يُدرِكُ المجدَ المؤَثَّلَ أَمْثالي
          المجدَ الَّذي له أصلٌ.
          إذا تقرَّر ذلك فإنَّما كَره بيعَ السِّلاح في الفتنة لأنَّه مِن باب التَّعاون على الإثم وذلك منهيٌّ عنه، فأمَّا بيعُه في غيرها فمباحٌ وداخل في عموم {وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ} [البقرة:275]، وقال ابنُ التِّين: لعلَّه في فتنة لا يُعرف الظَّالم مِنَ المظلوم فيها، وإلَّا فلو عَلِمنا بِيعَ مِنَ المظلوم ولم يُبعْ مِنَ الظَّالم، قلت: ومِنَ الأوَّل بيعُ العِنب لعاصر الخمر فإنَّه حرام وباطلٌ عند مالك، يفسخ البيع فيه. وخالف الثَّوريُّ فقال: لا كراهة بعْ حلالك ممَّنْ شئت. وفيه: ذكرُ الرَّجل الصَّالح بصالح عمله.
          فائدة: (حُنَيْنٍ) سنة ثمان، وهو وادٍ بين مكة والطَّائف على ثمانية عشر ميلًا مِنْ مكَّة.