التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب آكل الربا وشاهده وكاتبه

          ░24▒ بَابُ: آكِلِ الرِّبَا وَشَاهِدِهِ وَكَاتِبِهِ.
          وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ المَسِّ}. الآية [البقرة:275].
          2084- ذَكر فيه حديثَ عَائِشَةَ: (لَمَّا نَزَلَتْ آخِرُ البَقَرَةِ قَرَأَهُنَّ رَسُولُ اللهِ صلعم فِي المَسْجِدِ، ثمَّ حَرَّمَ التِّجَارَةَ فِي الخَمْرِ).
          2085- وحديثَ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ: قَالَ النَّبيُّ صلعم: (رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي، فَأَخْرَجَانِي إِلَى أَرْضٍ مُقَدَّسَةٍ، فَانْطَلَقْنَا حتَّى أَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ مِنْ دَمٍ فِيهِ رَجُلٌ قَائِمٌ وَعَلَى وَسَطِ النَّهَرِ رَجُلٌ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَةٌ، فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ الَّذي فِي النَّهَرِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ رَمَى الرَّجُلُ بِحَجَرٍ فِي فِيهِ، فَرَدَّهُ حَيْثُ كَانَ، فَجَعَلَ كُلَّمَا جَاءَ لِيَخْرُجَ...) الحديثَ. ثمَّ فسَّره بأنه آكلُ الرِّبا.
          هذه التَّرجمة شبك فيها حديثَ ابن مسعود: ((لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلعم / آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ)) قال أحد رواتِه: قلت: وكاتبَه وشاهديه؟ فقال: إنَّما نحدِّث بما سمعناه، وعن جابر: ((لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلعم آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ)) وهما مِنْ أفراد مسلم، وحديثُ سَمُرَةَ سلف قطعة مِنْه في الصَّلاة في باب: عقد الشَّيطان على قافية الرَّأس، وآخر الجنائز مطوَّلًا، ويأتي في التَّعبير إن شاء الله تعالى، وحديثُ عائشةَ سلف في الصلاة.
          ومعنى {يَأْكُلُونَ} في الآية: يأخذون، عبَّر به عن الأخذ لأنَّه الأغلب، و{الرِّبَا} الزِّيادة، وفي معناه: كلُّ قرضٍ جرَّ مَنْفَعة، ويُكتب بالواو والياء والألف، وبالميم بدل الباء مع المدِّ، والرُّبية _بالضَّم والتَّخفيف_ لغةٌ فيه.
          {لاَ يَقُومُونَ} أي مِنْ قبورهم، وهو يوم القيامة. {يَتَخَبَّطُهُ} يخنِقُه الشَّيطان {مِنَ المَسِّ} وهو الجنون، وذلك لغلبة السوداء، فنُسب إلى الشَّيطان تشبيهًا بما يفعله مِنْ إغوائه به، أو هو فعل الشَّيطان لجوازه عقلًا، وهو ظاهر الآية. وعلامة آكل الرِّبا يوم القيامة أنَّ النَّاس يخرجون مِنْ قبورهم سِراعًا إلَّا أَكَلَةَ الرِّبا فإنهَّم يقومون ويسقطون، ويريدون السُّرعة فلا يقدرون.
          وقوله في حديث سَمُرةَ: (فَأَخْرَجَانِي إِلَى أَرْضٍ مُقَدَّسَةٍ) أي مطهَّرة، وهي دمشقُ وفِلَسْطِين، وترجم على الشَّاهد والكاتب، ولم يذكر فيه حديثًا، وقد ذكرتُه لك، وكأنَّه لمَّا أعان على أكل الرِّبا بشهادته وكتابته وكان سببًا فيه مُعينًا عليه فلذلك أُلحق به في اللَّعن، كما ستعلمه.
          وروى الجوزيُّ مِنْ حديث أَبَانٍ عن أنسٍ مرفوعًا: ((يَأْتي آكِلُ الرِّبا يومَ القيامَةِ مُخَبَّلًا يَجُرُّ شِقَّة)) ثمَّ قرأ الآية. قلت: لأنَّ الرِّبا ثقله يُعجز عن الإيفاض، والفرق بين البيع بزيادات والرِّبا لأنَّه في البيع أخذَ عوضًا عن ماله، وهو في الرِّبا أخذٌ مِنْ غير مقابِل، والإمهال ليس مالًا حتَّى يجعل عوضًا. قال ابن النَّقيب: والصَّحيح أنَّ الآية مِنَ العموم الَّذي خُصَّ مِنَ المجمل، ثمَّ جمهور العلماء على أنَّ عَقد الرِّبا مفسوخ. وقال أبو حنيفة: هو فاسد، إذا أُزيل عنه ما يفسده انقلب صحيحًا.
          وأكل الرِّبا محرَّم بنصِّ القرآن _كما سلف_ وهو مِنَ الكبائر المتوعَّد عليها بمحاربة الله ورسوله، وبما ذكره في الحديث. قال الماوَرْديُّ: أجمع المسلمون على تحريمه وعلى أنَّه مِنَ الكبائر، وقيل: إنَّه كان محرَّمًا في جميع الشَّرائع.